المقاهي والمجالس الأدبيَّة.. ثقافة وفولكلور

ثقافة 2021/10/28
...

 عصام كاظم جري 
 
لعبت المقاهي الأدبية الكثير من الأدوار المهمة التي تجاوزت وظيفتها، حتى أن بعض هذه المقاهي دخل عالم الأدب والفن والشهرة بفعل روادها من الفنانين والأدباء والشعراء والمثقفين والقرّاءِ والوزراء وغيرهم، وأصبحت أقرب إلى المنتديات منه إلى المقاهي، وجاء في كتاب الشعر والشعراء للباحث الراحل طه عبد الوهاب الموسوي: (في العشرينات من القرن الماضي كانت المقاهي أشبه ما تكون بدواوين منتشرة في المدينة يرتادها الأدباء وأصحاب الحكايات). وأدب المقاهي ظاهرة عالمية، حتى قالوا: إن أول نشأتها في تركيا واليمن واثيوبيا ثم انتشرت إلى أوروبا والعالم كله، (وعالمية الثقافة هي تعميم الثقافة بمنطلق إنساني والانتقال بالتراث المحلي الى آفاق إنسانية عالمية بهدف ايجاد تقارب بين الثقافات في إطار التعدد والتنوع الثقافي). 
بلا أدنى شك للمقاهي الأدبية مكانة روحية جلية، ويشكل ارتياد المقاهي الأدبية للكثير ثيمة لا تتجزأ أبدا عن حياتهم اليومية والإبداعية، وتمثل علامة فارقة وثقافة تنويرية فهي مكان خصب للحوارات والمساجلات والقراءات وللنقاش ولتبادل الكتب والإصدارات، فيها الكثير من الأحداث والذكريات التي تضفي الجمال، ومن أبرز رواد المقاهي الأدبية في بغداد الشاعر الملا عبود الكرخي والشاعر معروف عبد الغني الرصافي والشاعر جميل صدقي الزهاوي والشاعر محمد مهدي الجواهري والشاعر حسين مردان وبدر شاكر السياب وغيرهم. 
ومنذ بداية التسعينات من القرن الماضي بدأت تندثر أغلب المقاهي الأدبية لأسباب كثيرة. ومن ضرورات الإصلاح النهوض بالواقع الثقافي لا سيما بعد التغيير السياسي؛ لذا على وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية أن تبادر  وترصد الأموال الكافية لتنمية وتطوير الفعل الثقافي للمقاهي التراثية القديمة وتؤثث ما تبقى منها حتى تحافظ عليها من الاندثار والضياع، وحتى لا تصبح ملاذا للوباء والتخلف والثرثرة، ولا ننسى كيف كانت الجوامع سابقا  تُستغل لإقامة دروس في اللغة والفقه والأدب، وهي كذلك منابر للأدباء لإنشاد قصائدهم في مناسبات دينية ووطنية وثقافية، وقد كانت تلك الجوامع مجالس للتعبير عن الآراء ولقد ازدهرت بعدها المجالس والبيوت التي تأوي العلماء والأدباء، أما بعد عام 2003 فقد تم انعاش ظاهرة المجالس الادبية وعادت إلى الواجهة من جديد، وهي قنوات ثقافية تسهم من موقعها بتحقيق الطموح والبناء والاصلاح الثقافي شيئا فشيئا، كونها تؤسس حراكا ثقافيا ومعرفيا منتجا يعزز مساحات التنوير والتنوع الثقافي، وازدادت أنشطتها النوعية والمعرفية والتوعوية في الكثير من المدن العراقية، وصار المهتمون بالثقافة يتوافدون إليها لما تقدمه هذه المجالس الأدبية من فعاليات ثقافية متنوعة ومنظمة، وبمرور الأيام أصبح لكل مجلس أدبي وثقافي رواد، وحتى لا تبقى هذه المجالس على نمطيتها ومألوفيتها، على وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية أن تبادر في رعاية المجالس الأدبية والثقافية وتتبنى مؤلفاتهم واسهاماتهم ولو لمرة واحدة في كل عام، بغية ألّا تبقى حبيسة الجدران، ويكون كل ما تقدمه سوى نسخ مكررة من الماضي، ويا حبّذا لو أشرفت وزارة الثقافة العراقية من خلال قنواتها  إشرافا فعليا على تشكيل لجان لإدارات تلك المجالس الأدبية لتضع البرنامج والمواعيد لفعاليتها، وتعمل على  طباعة مجلة أو جريدة لمتابعة أخبار المجالس الأدبية وفعالياتها أسوة ببقية الأنساق الثقافية المهيمنة.  
إن الاهتمام الكافي بتلك المجالس بات أمرا مهما لرفع شأن العقل العراقي وإدامة زخم الحياة الثقافية والمعرفية ضمن النهوض بالواقع الثقافي وانعكاسه على الإصلاحات العامة. وبالأخير الثقافة معنية ومرتبطة بعالم الفن والخيال والافكار، تجاربها ثرة وغنية وعديدة في إجراء عمليات الإصلاح، لأنها تمسك أطراف العلاقة ولا يخفى على أحد أن أنساق الثقافة كثيرة وتختلف من نسق معرفي الى نسق آخر، وتمتلك تلك الأنساق القدرة في توصيل رسائلها بملمح سريع، حيث لديها الإمكانات في تحويل الكلمات من حبر على ورق الى احتجاج وثورة وانتفاضة، ولهذا على النقد الأدبي والثقافي فيها ان يكون موجها لدعوات الإصلاح برمته والتغيير نحو الافضل وليس حكرا على نقد الشعر والسرد فحسب. 
ولا يخفى على أحد بأن الثقافة تندرج مجاليَّا ضمن الحضارة وانساقها المتعددة منها مهيمنة مثل: الشعر، القصة، الرواية، النقد الادبي، النقد الثقافي، ومنها ما هو مهمش كالمقاهي الادبية والمجالس الثقافية
وغيرها.