عزيز السماوي.. {النهر الأعمى»

ثقافة شعبية 2019/03/05
...

ريسان الخزعلي
الشاعر الكبير عزيز السماوي من شعراء الموجة التجديديّة في الشعر الشعبي العراقي بعد التجربة النوابيَّة الرائدة. كان له الدور الواضح في ابراز القصيدة الشعبيّة كشكل إبداعي فني بتوازٍ مع تطوّر القصيدة المكتوبة باللغة الفصحى، مستثمراً كل التحوّلات في شعرية الاخيرة، وبارتكاز ثقافي ذاتي أسهم في إضفاء خصوصية جمالية تطويرية. تلك هيَ خصوصية عزيز السماوي الذي كتب الشعر منذ الطفولة في مدينة الديوانية العاصفة بالشعر الشعبي والغناء الريفي والطقوس الدينية والفولكلورية المختلفة والحس السياسي العميق.
رحل الشاعر بعيداً عن الوطن في منفاه الاضطراري، وكان شهيد الغربة كما هو الحال مع العديد من المبدعين العراقيين، إلّا أنَّ الوطن كان حضوره الشعري:
صهيل ايوج حنين الخيل بالظلمه وطن، إو صهيل الياخذ اجفوفي اغاني الريح بالكَمره وطن، إو صهيل ايوج قميصك شوف لعيوني وطن. انت الوطن، كل الجروح استاحشن، وطن،  وطن. دخّن دم بصابيعي وطن، مهر مجنون ياخذ كل أصابيعي وطن. رياح الموت تاخذ كل حلم بيك امتحن.
في مجموعته "النهر الأعمى" يترادف كتسمية، النهر ودلالة التدفق المستمر، حيث النهر هنا هو عزيز السماوي. أمّا الأعمى فهو عزيز السماوي ايضاً، كتوصيف حال لهذا النهر، بعد أن نشر مرض السكّري تخريباته في عينيه وأتلفهما، إلّا أنه آثر ان يكون نهراً حتى وان كان أعمى.
والشاعر في هذه المجموعة يواصل براعة تشكيله الشعري في عدّة مستويات فنية وجمالية: القصيدة الطويلة، التكرار، جدلية الايقاع والايقاع المتناوب، استثمار أعلى طاقة صوتية كامنة في المفردة الشعبية، التلوين الصوّري، التقفية الداخلية والخارجية، الكتابة الشمولية بعيداً عن الجنوح الرومانسي، الاسئلة الحادّة، الاسترسال الافقي والعمودي بتناوبية مدروسة، العودة الى رمزيته الاثيرة في شخصية الدرويش، البناءات المراوِحة بين الاشكال الشعرية القديمة والحديثة لضرورات ضاغطة ترتبط بطبيعة القصيدة وفكرة الشعر، الدرامية والملحمية، استنطاق اللون، الوجد الصوفي، تضاريس الجسد، الايحاءات الحلمية، حوارية الباطن والظاهر، تزاحم المرئيات، استخدام (اسمه) كصفه روحية شاغلة ومضادّة للهوان – عزيز. هكذا هيَ براعة السماوي في تشكيلاته الشعرية في (النهر الأعمى).
(درويش الاغاني) ما فرح طوله الحزين. يتلكَه النهر جرفين إو يفيض امن العطش لو رفّت العين. إو ماتدرين (عزيز) ايعاند الغربه إو يرد امن الفرح كلّش حزين.
مجموعة "النهر الأعمى" تتقدم لتكون العلامة الاضافية في مساحة تطوّر القصيدة الشعبية الحديثة بعد اعماله السابقة: خطوات على الماء، أغاني الدرويش، لون الثلج والورد بالليل، بانوراما عراقية.
ومجمل هذه الاعمال تُرينا براعة تشكيله الشعري الذي يتميز به ويميّزه عن مجايليه:
لا تبجين، غيمه انتِ توجّين، إو على آخر جرح بالروح بجفوفج تحنين، تجيبين الليالي الماتجي إو كَمره تجين، نهر يشبكَ نهر للموت وانهودج عطشها اسنين، يرف لون الخصر كَبل اللمس جنحين.
ومع كل هذا التدافع البصري.. هل يصح ان يكون النهر أعمى..؟ انه المجاز والإزاحة لاغير يا (عزيز ).