صنّاع الحياة

ثقافة 2021/10/31
...

  حبيب السامر
 
للسينما دور بارز في ثقافة الشعوب، على الرغم من انحسار دور العرض وتحويلها إلى أسواق ومحال تجارية لبيع المواد المختلفة، لكن توهجها في ذاكرتنا ظل مشعا ومضيئا، من خلال تعلقنا بأفلام نتذكرها، ربما شاهدناها في طفولتنا أو مع استمرار مراحل الحياة، ظلت راسخة في دواخلنا.. هذا المشهد لن يغيب عن وعينا الجمعي، وأنت في القاعة الكبيرة، تبحث عن مكانك من خلال دليل يحمل مصباحاً صغيرا، يؤشر على رقم مقعدك، لحظات وتطفأ الأضواء، ليسود المكان العتمة، عيوننا مسمّرة على شاشة ستضيء من انبعاثات أشعة من خلفنا وهي تلامس الشاشة، تبدأ الأسماء تهبط سريعا لتذهب إلى مكان مجهول، لحظات ويظهر بطل الفيلم، وسط موسيقى صاخبة، إنها الأوقات الجميلة العالقة في أذهاننا..
تذكرت ذلك، وأنا أتابع برنامج أفلام ملتقى صنّاع الحياة السينمائي الذي أسس لمشروع حيوي وجوهري لثقافة المدينة، يمثل طيف محبة ورسالة سلام إلى كل بقاع الكون، في البدء كانت دورة للمواهب والشخصيات التي تعشق الفيلم وتتعامل معه بعمق حسي، يمثل الانتماء الجمالي إلى هذا الفن الراسخ، المتجذر بالوعي والتكوين النفسي، لما تضطلع به الصورة السينمائية والحركة بعمقها البصَري وبنيتها الذوقية وهي تسعى عبر قنوات التلقي لتعيد إلى المشاهد والمتابع روح الحقيقة بعد تحويلها من صور متعددة لتبزغ من جديد على شاشة الجمال، وهو يهدف إلى استقطاب أبرز نتاجات الأفلام السينمائية القصيرة في العراق والتي أنتجت بعد عام 2018 في أول مسابقة يتنافس على جوائزها صنّاع الأفلام الحقيقية التي استحقت الدخول في مسابقة رسمية في هذا الملتقى.
إذ سيوفر المهرجان معايير التنافس الحقيقي والمهني ومنصة عرض للأفلام بشكل احترافي وعبر لجان فنية رصينة تهدف إلى تفعيل وإبراز الفعل السيـــنمائي الرصين في البلد.
عندما اتخذ الملتقى عنواناً (آفاق السينما العراقية الآن) تدفقت إلى لجانه المشكلة 42 فيلماً بمختلف المحاور والأفكار والمعطيات الإخراجية ليترشح منها من خلال لجنة محكّمة 22 فيلما ضمن مسابقة باهرة بوعي وحرص اللجنة التي اختارت هذا العدد بموضوعية وفنية عاليتين، ولم تقف عند هذا الحد بل سعت اللجنة العليا للملتقى على مشاركة جهات فاعلة في احتضان الطاقات ورسم خطواتها الجديدة في هذا العالم الجميل، إذ انفتحت على المؤسسات الأكاديمية والجهات الفنية وتآزر الجميع لتكون مخرجات هذا الفعل الثقافي، الفني بالمستوى الذي ظهر به وأبهر الجميع بمهنية عالية واشتغالات اعتمدت محاور البحث العلمي الذي يناقش مشكلات ومعوقات صناعة السينما بحلقات نقاشية شاركت فيها نخبة مميزة من مخرجين وكتاب وعاملين في مجال صناعة الفيلم لتعطي إلى المتلقي حلولا للتصورات والمتناقضات التي تشوب هذا العمل من خلال محاور تناولت الجذور والتجارب/ الدولة/ الثقافة/ السينما، الذي ركز الباحث فيه على قضية الإنتاج السينمائي على المستويات كافة، الحكومية منها والقطاع الخاص والمشترك، مع الإشارة إلى أفضل الأساليب والإجراءات العملية الجادة التي تفعل عملية الإنتاج ضمن المواصفات العالمية، وتناول الباحث صناعة الفيلم بدءًا من كتابة السيناريو إلى إنتاجه. 
وفي محور آخر (سينما الشباب مناقشة ومداخلات) توسع فيه الباحث في الإشادة بالأسماء الشبابية التي ظهرت في المهرجانات والملتقيات وطريقة دعم وتحريك السينما من خلال صندوق دعم السينما، وتناول بعض التجارب لدول اعتمدت هذا الجانب، فضلا عن المرأة في السينما العراقية وتناولت الباحثة تساؤلا هل هي سينما المرأة أم السينما النسوية؟، وتشعبت في الحديث عن المصطلحين من خلال اعتمادها على مرتكزات بوجودها – المرأة – في كل مفصل من مفاصل صناعة النص السينمائي المرئي ابتداءً من الفكرة وصولا إلى التلقي. في حين ناقش محور آخر (مقومات صناعة السينما بوصفها فنا جماليا) بحديث عن أهم الأسس التي لا بد أن تتوافر لصناعة فيلم أنموذجي يشد المتلقي ويعيد روح السينما إلى المشاهد.
على الرغم من تحديد الملتقى بيومين لكن الجمهور البصري ظل مواكبا ومتابعا بحرص كبير، بحضور جماهيري واسع غصت به قاعات العرض، وهذا دليل عافية، وبرهان وعي ينمو ويكبر مع استمرار عجلة الحياة، لأن السينما إنسانية تدخل البيوت، لتترك روح إبداعها في نفوسنا.