حضور جماهيري وفعاليّات ثقافيّة مغايرة اختتام فعاليات معرض البصرة الدولي في البصرة

ثقافة 2021/10/31
...

  البصرة: صفاء ذياب
 
لم تشهد مدينة البصرة حضوراً جماهيرياً كما حدث في الأيام الماضية بعد أحد عشر يوماً من الفعاليات الثقافية التي رافقت معرض البصرة الدولي للكتاب، فعلى الرغم من الفعاليات الثقافية العديدة التي تقام في المدينة، غير أن أغلب الحضور كان في الفعاليات السابقة مقتصراً على النخب الثقافية، تلك الفعاليات التي تقام من سنوات طويلة، مثل مهرجان المربد، ومهرجانات المسرح والسينما، برغم من نجاحها، إلّا أنَّها لم تقم على مساحة واسعة مثل التي أقيم عليها هذا المعرض، ومن ثمَّ اقتصارها على المهتمين بالشأن الثقافي فحسب.
هذا المعرض الذي انطلقت فعالياته في العشرين من هذا الشهر، واختتم يوم السبت الماضي، تمكّن من ضم أغلب الأطياف المجتمعية في هذه المدينة، جمهور اختلف عن جمهور المكتبات المعروفة في منطقة العشار على سبيل المثال، فالأسر وجدت متنفّساً مختلفاً بعيداً عن أماكن التسوّق والمولات، ومن ثم اكتظّت قاعة المعرض- على الرغم من بعدها عن مركز المدينة- ألا أن المهتمين لم يجدوا تجمّعاً ضمَّ المثقف والمعني بالكتاب والأسرة بالكبار والصغار، والنساء والأطفال، وهو ما أعطى هذه المدينة روحاً جديدة لم تشهدها من قبل.
 
فعاليات ثقافيَّة
لم تقتصر الفعاليات الثقافية التي أقيمت في قاعة معرض البصرة الدولي للكتاب على الدعوات التي قدّمتها إدارة المعرض للكتّاب والمثقفين والمفكرين، بل اشتركت في هذه الفعاليات جهات أخرى، مثل جامعة البصرة واتحاد الأدباء والكتاب في العراق، واتحاد أدباء البصرة، ومؤسسة إنجاز، وبيت الحكمة، وديوان محافظة البصرة، ومعهد غوته وغيرها من المؤسسات المشاركة في المعرض.
قسّمت أغلب الفعاليات بين اتحاد الأدباء والكتاب وجامعة البصرة، فكانت لهما الحصّة الأكبر من الفعاليات. ابتداءً من محاضرة (الشعر البصري والريادة العربية: السياب، البريكان، سعدي يوسف) التي قدّمها الأستاذ الدكتور ضياء الثامري؛ أستاذ النقد الحديث في كلية الآداب بجامعة البصرة، وأدارها الدكتور رائد فؤاد. تناول الثامري فيها الأسس التي استندت إليها الحداثة العراقية في الشعر، انطلاقاً من السياب، مروراً بنازك الملائكة وشاذل طاقة، وصولاً إلى البريكان الذي تنبّأ له السياب باختلافه شعرياً ليصل في محاضرته إلى سعدي يوسف ومغايرته في قصيدته من خلال مجموعته (الأخضر بن يوسف ومشاغله). أما المحاضرت الثانية لجامعة البصرة فكانت (السرد البصري والتحوّلات الفنية) التي قدّمها الأستاذ الدكتور لؤي حمزة عباس الذي تناول فيها بدايات السرد العراقي والمراحل التي مرّ بها، ليأخذ أنموذجين فيما بعد من السرد البصرة، متمثلين بالقاص محمود عبد الوهاب الذي يعد من أوائل البصريين الذي أسسوا لشكل جديد في القصة العراقية، متزامناً مع القاص والروائي مهدي عيسى الصقر، غير أن الاختلاف بينهما كان أن الصقر انتقل إلى بغداد وتأثر بأجوائها، في حين حافظ عبد الوهاب على بصريته، روحاً ولغةً وأجواءً. في حين كان الأنموذج الثاني الذي قدّمه، القاص والروائي محمد خضير، وبداياته من خلال مجموعته الشهيرة (المملكة السوداء)، وبعد ذلك (في 45 مئوي) و(بصرياثا) وصولاً إلى مجموعته الأخيرة (المحجر).
كما ناقش الأستاذ الدكتور حامد الظالمي في محاضرته (البصرة في المخطوطات العربية)، والتي أدارها الدكتور توفيق الحجاج، المخطوطات الأولى التي ذكرت البصرة، وأتت على بيئتها وسياستها وحواضرها، وكيفية تناول المؤرخين العرب لتاريخ البصرة. 
وأخيراً كانت محاضرة للدكتور عادل عبد الجبار تناول فيها إشكاليات الدرس النقدي الذي يطرح في الجامعات العراقية عموماً، ولا سيّما جامعة البصرة.
 
اتحاد الأدباء
مثلما طرحت جامعة البصرة برنامجها الثقافي في معرض الكتاب، كان لاتحاد الأدباء، المركز العام والبصرة، برنامجه الثقافي الذي شاركت فيه نخبة من الأدباء من المدن العراقية عموماً، ولا سيّما أدباء البصرة، بدءاً من محاضرة (الشعر وتطوّره في البصرة) التي قدّمها د.حسين فالح ومحمد صالح عبد الرضا ومقداد مسعود، وأدارها الناقد جميل الشعر، إذ تحدّث المحاضرون الثلاثة عن الشعر البصري منذ بداياته ما قبل السياب وصولاً إلى الشعراء الشباب، في هذه المدة الطويلة مرّ الشعر في البصرة بتحوّلات وانقلابات جعلت منه شعراً ريادياً ليس على المستوى العراقي فحسب، بل على المستوى العربي. وفي المحاضرة الثانية (العراق بين اللاوعي التاريخي: الوركاء ذاكرة الأدب) التي كانت بإدارة حسن البحار، تناول فيها الباحثان أمير دوشي وعلي شبيب ورد، الأدب الرافديني القديم، لا سيّما السومري، وطرائق التعبير والأفكار التي أراد السومريون تقديمها من خلال فكرتهم عن الآلهة والخلق وبدايات تكوّن الحياة، وصولاً إلى الأدب الذي يعد مرحلة متطورة في حياة الحضارة الرافدينية.
أما الدكتور قيس ناصر، في محاضرته التي أدارها الدكتور محمد عطوان (الفكر الفلسفي والاجتماعي وتشكلهما، فقد اجتهد في تحديد طرائق تشكّل هذا الفكر في العراق عموماً والبصرة على وجه الخصوص، والأسس التي بنيت عليها الفلسفة العراقية وكيفية تقديمها للقارئ العراقي والعربي. في حين تحدّث الباحثان د.عادل عبد الجبار وعلي عباس خفيف في محاضرتهما التي أدارها الدكتور سلمان كاصد (أعلام البصرة: مهدي عيسى الصقر، محمود عبد الوهاب، محمد خضير) ثلاثة من أهم رواد الأدب البصري، لا سيما السرد منها، فمهدي عيسى الصقر ومحمود عبد الوهاب قاصان وروائيان ينتميان إلى الجيل الخمسيني، وهو الجيل المؤسس للسردية العراقية الجديدة، والقاص محمد خضير، المختلف في طرائقه وأساليبه السردية وأفكاره المغايرة. في حين طرح أساتذة المسرح في مدينة البصرة محمود أبو العباس ود.كريم عبود ود.ماهر الكتيباني وهلال العطية رؤيتهم في المحاضرة التي كانت بعنوان (المسرح وتطوره في البصرة) عن بدايات المسرح البصري، والمراحل التي مر بها، ومن ثم أهم الشخصيات التي أسست للأنموذج الجديد في هذا المسرح، مثل جبار صبري العطية، وبنيان، وغيرهما.
كما احتفى الاتحاد بشخصيات البصرة الشعرية (حسين عبد اللطيف، كاظم الحجاج، عبد الكريم كاصد) في الأمسية التي تحدث فيها الدكتور حسين فالح والدكتور سراج محمد والدكتور محمد طالب الأسدي، وأدارها الدكتور محمد جواد البدران.
وكانت للسينما حصة كبيرة في فعاليات هذا المعرض، ابتداءً من محاضرة (السينما وتشكلاتها في البدايات) التي قدّمها الدكتور سرمد ياسين وبهاء الكاظمي وعصام جعفر، وأدارها الدكتور فراس جميل. ومن ثم عرض فيلم 2033 الذي طرح فكرته وآليات العمل عليه عصام جعفر.
أما الفن التشكيلي في البصرة، فقد أقيمت عنه محاضرة بعنوان (تحولات الفن التشكيلي في البصرة) التي طرح فيها ميثاق سعيد ومهدي السبهان وصباح السبهان رؤاهم في التحولات التي طرأت على هذا الفن منذ بدايات القرن الماضي وصولاً إلى اليوم، وكانت بإدارة الفنان قيس عيسى.
فضلاً عن محاضرات أخرى قدّمها بيت الحكمة بعنوان (الدولة العراقية المعاصرة.. جذورها ومقوماتها)، شارك فيها برافانت بساي؛ وهو سفير الهند في بغداد، ود.فاروق العمر. ومحاضرة (المواطنة.. أنا والآخر) التي قدمها كرار المنصوري ممثلاً عن وزارة الشباب والرياضة، أما معهد غوته فكانت له مشاركة من خلال محاضرة (الترجمة ككتابة ثانية) تحدثت فيها المستشرقة الألمانية (لاريسا بندر)، التي شاركها فيها الدكتور علي عبد الأمير صالح، عن ترجماتها للرواية العربية والمعوقات التي تواجه عملها فضلاً عن أساسيات نقل الرواية العربية للغة الألمانية.
وبعيداً عن المحاضرات التي كانت متنوعة وغيّرت الكثير من روح المعرض، فلم يفت إدارته الفعاليات الترفيهية والفنية التي كان لها جمهور لم تسعه القاعة، بدءاً من الفولكلور البصري وعروض الأزياء التي قدمتها الفرق الشعبية في البصرة، مروراً بفرقة الطقاقات التي قدّمت أمسية فنية مستلهمة التراث البصري وأغانيه القديمة.
 
البصرة ثقافيَّاً
كان لهذه التجربة ردود فعل كثيرة، أولاً من قبل الناشرين العرب والعراقيين الذي رأوا هذه المدينة بشكل مختلف، ومن ثمَّ تعرّفوا عن قرب على القارئ البصري، ولا ننسى الأكاديمية الغنية، في جامعة البصرة بكلياتها، وجامعة البصرة للنفط والغاز، فضلاً عن الكليات الأهلية التي كانت حاضرة بشكل فاعل ضمن هذا المعرض.
ولا يمكن أن يقام معرض للكتاب من دون حفلات توقيع الكتب التي كانت منتشرة في أروقة المعرض، لا سيما حفل توقيع الشاعر طالب عبد العزيز والقاص محمد خضير، وغيرهما، فقد وقّعا كتبهما التي أصدرتها مؤسسة المدى ووزعت مجاناً، فضلاً عن روايات مهدي عيسى الصقر، وكتاب (البصرة جنة البستان) للشاعر الراحل مهدي محمد علي، وأعمال الكاتبة العراقية سميرة المانع، وغيرها من الكتب التي وزعت مجاناً بين جمهور المعرض.
وعلى الرغم من هذا الاحتفاء بالكتاب، غير أن ما كان جديداً فيه الاقبال الأكاديمي، لا سيّما بعد دعم الحكومة المحلية في محافظة البصرة للجامعات والمؤسسات الحكومية في دعم المكتبات الحكومية والمكتبة المركزية في جامعة البصرة، والمكتبات الفرعية في كلياتها، من خلال شراء كميات كبيرة من العناوين التي تحتاجها هذه المؤسسات، ودعم طلبة الجامعة في توفير الكتب الجديدة.