ما نراه من الصورة وسلطتها

آراء 2019/03/06
...

 علاء هاشم
ما تمارسه الصورة من سلطة، هي قوة فريدة من نوعها، تتجاوز الوسيط الذي ينقل فكرة أو حدثاً الى المتلقي، بحيث تستفز حاسته البصرية وتستحوذ عليه، الى حد أن تتملكه، بسبب تكوينها التقني وبلاغتها التكنولوجية. وبوصفها إحد أهم أدوات عالمنا المعرفية والثقافية والاقتصادية والإعلامية، فقد تجاوزت وظيفتها التقنّية ودخلت في صوغ الذهنية ولعبة الحقيقة والزيف، فالصورة بطبيعة الحال هي خيار منتجها، الذي يهدف إلى إرسال رسالة بعينها، أو معنى محدد، وقد تكون الرسالة محاولة لتشويه الحقيقة أو مواربتها، من خلال زاوية اللقطة وحدودها والسياق الذي توضع فيه، وهذه كلها عوامل تساهم في إحداث أثر مقصود في ذهن المتلقي، لا تقتصر على المتعة البصرية، بل تتوغل داخل وعيه وتؤسس لاختيارات وتفضيلات، وتحفيزات وتحيّزات، وتطلق حاجيات، وتُحدث رغبات، وصولاً الى هيمنتها على الوعي، من خلال عبور الرسالة المخبأة في الصورة الى منطقة اللاوعي.
وقد تكرّس نفوذ الصورة عبر السنين في التأثير على الرأي العام، "فالجمهور يفكر عن طريق الصور"، حسبما يقول المفكر الفرنسي غوستاف لوبون، حيث تثير الصورة المتشكلة في ذهن المتلقي سلسلة من الصور الأخرى، بدون أي علاقة منطقية مع الأولى أحياناً، ويمكننا أن نتصور بسهولة هذه الحالة عن طريق التفكير بالتتابع الغريب للأفكار التي يقودنا إليه تذكّر حدث معين، من خلال صورة واحدة. وفي كثير من الأحيان تخفي الصورة تحت ستار جمالياتها خطاباً أيديولوجياً، أو ثقافياً، أو سياسياً. حيث تبدو لنا بريئة ولكنها خطيرة، لأنها تأخذ من الواقع دلالات شتى، بينما تختار في طريقة إنتاجها ما تراه من هذا الواقع، فما تخفيه وما تحجبه أهم مما تكشفه. ففي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993، تحدث رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد: "إن ما نسمعه أو نشاهده هو في الواقع ما قررت وسائل الإعلام الغربية هذه أنَّنا يجب أن نسمعه أو نشاهده"، وأشار إلى أنَّ "الاهتمام البالغ الذي تبديه وسائل الإعلام الغربية برقصة المغني مايكل جاكسون، أكثر كثيراً من اهتمامها بإذاعة شيء يحدث في اللحظة ذاتها ويتعلق بمذابح، وعمليات قتل جماعية، أو معاملة وحشية يتعرض لها بنو الإنسان في أماكن أخرى من العالم". 
لذلك وعلى هذا الأساس شكلت الصورة مدخلاً نظرياً للعلاقة مع الآخر والتعامل معه على أساس من البداهة، بحيث غدت معرفته لا تحتاج الى أكثر من ذكر اسمه، حتى تلتصق به كل النعوت أو الصفات المحشوة في رؤوسنا عنه، وهذا ما يؤكد أنَّ صراع الهويات ليس إرادياً ولا يقف على ما يرغب به كلا الطرفين، إذ أنَّ القضية ترتبط بعوامل أعقد من أن تتبسط في الآراء التي تعزوها الى الاختلاف الديني والعرقي 
أو غيره. 
وهذا ما يجعل الصورة التي كُتبت عن الشرق في الأدبيات الأوروبية، وأحاديث "ألف ليلة وليلة" لا تشابه الشرق كما عرفه أهله، بل كما اخترعتها الحقبة الاستعمارية، وليصبح في كثيرٍ من الأحيان الإرهاب عنواناً بارزاً يبرر السيطرة على الشعوب وابتزازهم، بطابع يغلب عليه النفوذ والهيمنة. عزز من ذلك الحالة التي آل إليها الوضع الدولي من حيث عدم الاتزان في القوى، وكون المصلحة أضحت المحدِد الرئيسي لعلاقة الدول بعضها ببعض، على حساب المبادئ والقيم الانسانية.