ما تنسمع رحّاي

فلكلور 2021/11/04
...

  شكر حاجم الصالحي
منذ زمن وأد البنات الى زمن، رفقاً بالقوارير، ظلت المرأة تعاني من القهر والظلم والتعسف وقصور النظرة الى كيانها الانساني، خاصة تلك التي تعيش في المجتمعات الرعوية والزراعية في شرقنا المبتلى بالعادات والقيم المتخلفة والموروثة.
 
ولم يكن حال المرأة في المدن والحواضر بأفضل من قرينتها، وباستثناءات محدودة وضيقة جداً للعديد من الاسباب التي من بين أهمها، انتشار التعليم ونشوء الاحزاب والتجمعات والحركات، التي تدافع عن وضع المرأة وتسعى لإشراكها في مختلف الانشطة العامة، وسيقتصر الحديث هنا عن وضع المرأة وشؤونها الاجتماعية في مجتمعاتنا الريفية، فهي هنا مضطهدة مسلوبة الارادة لا رأي لها حتى بشؤونها الخاصة، فليس من حقها اختيار الشريك ولا الاعتراض على الأعراف التي تحط من كرامتها، ومن غير المتاح لها المشاركة في التجمعات والفعاليات المختلطة، فهي ( ناقصة عقل ودين) وما عليها إلا الطاعة العمياء لأوامر الأبوين والأخوة، ولا سلاح بيدها للاعتراض أبداً، لكنها ابتكرت بوعيها الفطري وسيلة الغناء (الدارمي) ومحاورة (الرحى)، لبثها همومها وشجونها والتعبير عما يجول في ذاتها المكلومة، ولذلك فقد شاع ــ غزل البنات ــ في معظم مناطقنا الريفية، وصار قوله وترديده بالتناغم مع دورة قطبي الرحى بعض ما يخفف من لواعجها ويوصل رسائلها الى من يعنيه الأمر.. ولأن طحن الحبوب الحنطة والشعير بهذه الواسطة غالباً ما يتم في أوقات الليل المتأخرة، فإن تلك العزلة توفر للمرأة نسبة من حريتها المقيدة، فتقول ما تشتهي عبر مناجاة هذه الآلة الصماء.. ويمكن الاطلاع على واقع المرأة الريفية ولو بشيء قليل من خلال أبيات الدارمي، التي ستكون مادة للتدليل على ذلك الواقع 
المر.
 وقبل هذا وذاك نشير هنا الى ان الباحث الراحل عبد الامير جعفر، قد أشار الى عروض الدارمي في كتابه القيم (الاغنية الفولكلورية في العراق) الصادر عن ضمن السلسلة الفولكلورية (9) العام 1975  الى ان عروض الدارمي هي من مجزوء الرجز :
          مستفعلن فعلان             مستفعلاتن
          مستفعلن فعلان             مستفعلاتن
في حين يرى المؤرخ عبد الرزاق الحسني أن الدارمي من بحر الخفيف ــ الأغاني الشعبية ص 97، أما الفنان محمد القبنجي فيراه من (البسيط) / مجلة المورد ص 156، العدد الاول 1974، وأرى أن رأي عبد الامير جعفر هو الرأي الصائب في نسبة هذا النوع من الشعر :
تقول هذه المرأة المضطهدة في حوارها المؤلم مع الرحى :
        ورحايه شبعت ضيم             من كثر نوحي
        كا لتلي بسج عاد                 ورمت جروحي
وهي بهذا تكشف عن واقعها الذي تعيشه في ظل ظروف القهر وسوء المعاملة وجفاء من تحب، في حين نجد امرأة اخرى تشكو من ظلم الاقربين اذ تقول:
        وبروضة العباس               لكسر رحايه
       وشجيله ضيم الصار         من ضر حمايه
وأخرى تشكو حالها الى الأمام الحمزة (ع) في مدينة المدحتية ضمن محافظة بابل بقولها :
       أشجي لبو حزامين            ضيمي ومراري
      وبالطحن طول الليل           مللت جاري
وهناك الكثير من هذه الشواهد الشعرية الصادقة التي تكشف عن حال المرأة الريفية وما تعانيه من ظلم وقهر ونظرة لا تليق بإنسانيتها:
      ما تنسمع رحاي              بس بجيي مسموع
      جاتلني والله هواي            ما منّه مرجوع
 
    و... أطحن ومش دموع            ولهي بحبابي
        ومتونسه كل الناس            وآنه بعذابي
  و ... ها كثر نوحي اعليك           بعدك حبيبي
        كطب الرحى مكسور          جا خف نحيبي
وليس أخيراً :
       ايدي تدير شعير             ملتهية يهواي
      بلجي تمر بالليل              تسجيني الماي
وفي ختام هذا العرض المتواضع هناك الكثير من أشعار الدارمي، التي تتداولها المرأة المستلبة الحرية والحقوق تفصح من خلالها عن أحوالها وملابسات حياتها في أزمنة مضت عانت فيها الكثير، لكنها بإرادتها وقوة عزيمتها وتعلمها غيّرت ما كانت عليه وأصبحت قرينة الرجال في حقول الابداع والانتاج والمعرفة والوصول الى ما تتمناه من مساواة، باعتبارها النصف الأكثر حيوية في مجتمعنا 
الراهن.