{جُبّ آت .. جِنّ آت}

ثقافة 2021/11/06
...

 زهير الجبوري 
في إنجاز جديدة في عالم المسرح، وفي عالم الكتابة، يطل علينا الفنان ثائر هادي جبارة في تجربته المسرحية (جُبّ آت.. جِن آت، ومسرحيات أخرى/ 2021)، وهو كتاب يتناول فيه مجموعة من المسرحيات التي قام بتأليفها وبإخراج بعضها 
وتمثيل بعضها.
وباستطاعتي الإشارة الى أنَّ الفنان (جبارة) له تفرده الواضح والمؤثر في كتابة النصوص التي تمثل شفرة الواقع، او التي التقطها من تفاصيل الحياة، فهو ابن بيئة تعيش تفاصيل الوجع العراقي، تعيش جغرافية الألم، تعيش الأحساس بالصدمة إزاء ما لمسه وعاشه في خارطة الوطن/ المكان/ الحيز، وحين تتخمر في داخله موضوعة ما، ينثر كلّ ما حوله من تفاصيل عمله (الكتبي) ويدوّن ويؤسس، فـ (ثائر هادي جبارة) كائن مسرحي لا يشبه أقرانه أو أساتذته كبار المسرح العراقي (سامي عبد الحميد، وعوني كرومي، وصلاح القصب، وبدري حسون فريد، وغيرهم)، إنما ينطلق من مبدأ الفكرة وكيفية تأسيسها والعمل على تطويرها، وعلى الرغم من انتمائه وعشقه (البرختي) في المسرح العالمي، إلّا أنه اشتغل وأضاف وعمل على مفهوم المغايرة في (كسر المألوف)، وهي من سمات الممثل والمؤلف العاشق للتجريب.
(جُبّ آت.. جِنّ آت)، مسرحيات كتبت ومُثلتْ في مناسبات وفعاليات مسرحية، في مدينته أو في المدن العراقية الأخرى، وجدير بالذكر أنَّ بعض المسرحيات التي حملت طابعا دينياً، انطوت على قراءة مغايرة لما هو مفهوم بالشكل الموضوعي المباشر، إذ استطاع (جبارة) أن يشتغل على ما يسمى بـ (بالنصوص الناقدة)، صحيح ان هذا الوصف نقدي أكثر منه أدائي، إلّا انه يكشف عن ملاحقة التفاصيل عبر خطاب الواقع وما يحمل من اضطراب ونتائج عكسية مع المجتمع، وهناك بعض النصوص المكتوبة أخذت بالتوغل في مناقشة الجانب السسويولوجي السياسي، وقام بالتمثيل او المشاركة فيها كممثل ومؤلف معا، لذا، لا بد من الإشارة الى عالم الفنان ثائر جبارة بوصفه عملة 
خاصة ومكتملة الأبعاد.
في كتاب (جُبّ آت.. جِنّ آت)، ثمّة مسرحيات أُخذت من تجارب ثقافية أخرى كمسرحية (تفعيلة في بحر هائج) وهي إعداد عن قصة (النمور في اليوم العاشر) للقاص العربي (زكريا تامر)، وقد لاقت حظوظا 
كبيرة ـ أي المسرحية ـ 
في عرضها بأمكنة ومدن عديدة، وكانت انعكاسة كبيرة لكشف ممارسات النظام المباد وما آلت إليه شخصية الإنسان العراقي من أوجاع.. كذلك مسرحية (الدرس الأخير) عن قصيدة الشاعر موفق محمد التي تحمل العنوان نفسه والتي تتناول حياة الدراسة للمدرس والطالب، وحياة ما بعد الدراسة والأمنيات غير 
المتوفرة.
في حين قرأنا المسرحيات (تذكر أنها سالك) 
و(منورين) و (مرويات النهر الحزين)، وقد كتبت بموضوعات تمسّ الإنسان المعاصر الذي ينتمي الى أعرافه وتقاليده وانتمائه الديني والطقوسي والبيئي، يناظر ذلك ما جاءت به تقانات ما بعد الحداثة من تفاصيل ألكترونية (الكومبيوتر)، وغير ذلك من الأدوات، كانت واضحة، وهنا يبرز السؤال الوجودي، كيف يمكن أن نمارس طقوسنا وقناعاتنا في العقيدة إزاء الانفتاح الكبير في زمن 
العولمة..؟. 
هنا بالذات يعطي الفنان (جبارة) قراءة تقترب الى ما يسمى بالنسق الثقافي الذي يناقش التفاصيل المعلنة وغير المعلنة (المسكوت عنها)، وكلّ ما كتبه ومثله وأخرجه في المسرحيات هذه، لا بد من الإشارة الى أن (ثائر هادي جبارة) يناقش في موضوعاته (ضياع الهوية)، وهذا ما جعل العديد من النقاد أن يهتموا بتجربته بشكل ملفت للنظر.
مسرحيات (جُبّ آت.. جِنّ آت)، شكلت انعطافة كبيرة في الإمساك بالخطاب السياسي والاجتماعي في بلد شَهِدَ تحولات فكرية كبيرة، وهي بلا شك تمثل التقاطات موضوعية للمؤلف الذي هو جزء من هذه العملية الكبيرة، والملفت للنظر لو طرحنا سؤالنا الثقافي او الفني للنصوص المسرحية في الكتاب عن تاريخية الكتابة التي تظهر في النص الأول (غابة من الوجوه) في العام 1986 والذي عرض في مدينة السليمانية، والنص الثاني (كذبة شهريار) في العام 1987 الذي عرض في مدينة الحلة، وبين النصوص الأخرى التي كتبت اثناء سنوات الاحتلال بعد العام 2003، سيكون الجواب عند المؤلف ذاته لأنه أراد أن يكتب موقفاً ثقافيا وإنسانيا ومبدئياً في انقطاعه بعد العام 1991 وعودته بعد سقوط النظام 
المباد.