زمن الانهيارات العصبية

الرياضة 2021/11/07
...

علي رياح  

كان اللاعب العراقي يمرض حين يتعرّض فريقه للخسارة، وكانت الدنيا على اتساعها تضيق في عينيه، يستوي في ذلك شكل التحدي محليا في نطاق النادي كان أو في إطار الفرق الوطنية في مواجهاتها الخارجية. 
بعض القصص التي نحتفظ بها تتحدث عن حالة اكتئاب شاملة تصيب اللاعب حين تخطئ الحسابات، وتخيب الظنون، ويكون الفشل بديلا للفوز، حتى أن نجما كبيرا مثل رحيم كريم تعرّض إلى حالة من الانهيار العصبي بعد مباراتنا الموجعة أمام الكويت في ختام دورة الخليج العربي الرابعة في الدوحة عام 1976، وذلك بعد أن تسببت في الكارثة أخطاء الفريق ككل وخصوصا في العمق الدفاعي الذي كان رحيم وزميله حسن فرحان يتوليان حمايته من محاولات الثلاثي جاسم يعقوب، فيصل الدخيل وعبد العزيز العنبري.. والأخير كان البطل المتوّج بالمباراة خصوصا في النفـَس الأخير منها حين هرب من رقابة رحيم كريم كأنه أوساين بولت في عز عنفوانه، ووضع الكرة من فوق الحارس رعد حمودي الذي خرج لملاقاته يائسا قريبا من الاستسلام.  
قلت إن رحيم كريم كان تحت رحمة الانهيار العصبي بعد المباراة لمجرد إحساسه بأنه كان طرفاً في خذلان فريقه ومعه الملايين من جمهوره ومحبيه. النجم البصري يروي في حديث له بعد البطولة تفاصيل تلك (النكبة) كما يصفها، والعجيب أنه كان يتحدث عن أن المباراة انتهت لصالح الكويت بثلاثة أهداف وليس أربعة، ربما كان وقتها يرزح تحت تأثير ذلك الانهيار الذي لم يشف منه على المستوى النفسي إلا بعد زمن طويل، أيقن بعده أن للكرة وجه الحزن كما أن فيها وجها للانتصار والفرح.  
تعيدني هذه الواقعة بكل تفصيلاتها التي لازمت لاعبينا وأورثتهم حزنا شديدا، حتى جاء الرد في نهائي بطولة العالم العسكرية في دمشق عام 1977، حين تعملق رعد حمودي وعدد من صحبه في موقعة ركلات الجزاء الترجيحية وردّوا دين الخسارة الخليجية أمام الكويت بفوز عسكري عالمي.. تعيدني إلى الشكل المُزري الذي باتت تتخذه ردود أفعال هذا اللاعب أو ذاك بعد الخسارة التي تؤلم الناس ولكنها لا تحرك أي شعور للأسى أو حتى الأسف والاعتذار لدى البعض من اللاعبين، الذين يغادرون الملعب وهم مكللون بشعور من قدم كل ما لديه وأنه لم يقصر وعلى لسانه جملة واحدة باتت متكررة (قدّر الله وما شاء فعل). 
التجرّد من المسؤولية الجماهيرية والوطنية وقبلها الرياضية صار يدفع اللاعب إلى الاصطدام بالناس لمجرد أنهم يعبرون عن الحزن العميق، ولا مانع أبدا من إبداء الاحتجاج على هبوط المستوى والمردود، فقد أثبتت الوقائع أن الجمهور يكتوي بنار الفشل على النحو ذاته الذي يصيب اللاعبين، لا بل ان المعادلة تتغير الآن، فصار الجمهور وحده مستودعا للحزن بينما يتمادى اللاعب في إظهار الشعور بالقناعة والاكتفاء وأنه لا داعي لكل هذا الرفض الشعبي.  
كان اللاعب في زمان مضى يعتكف في بيته أياما بعد أن تتعثر قدماه في الملعب ويخفق في رسم الفرحة للناس.. أدنى ما كان يفعله أن يطأطئ رأسه حين يخرج من الملعب ملتزما الصمت ويحجم عن رفع رأسه ليكون هدفا لنظرات الناس.. المفاهيم الكروية تتبدل في زماننا هذا، فاللاعب الآن هو الذي يواجه، وهو الذي يتبجح، وهو الذي يعتدي على الناس حين يخرج من الملعب يجر ذيل الخسارة.