كوستا برافو مونيا.. عقل تكشف تناول الأزمة بشكل مختلف

الصفحة الاخيرة 2021/11/07
...

  المحرر السينمائي
أحد الافلام المهمة التي عرضت في مهرجان الجونة، الدورة الخامسة، فيلم «كوستا برافو» للمخرجة مونيا عقل، وبطولة النجمة والمخرجة السينمائية نادين لبكي والممثل صالح بكري.
 
الحكاية 
يتناول الفيلم أزمة النفايات في بيروت والتي تسببت في تظاهرات رفع خلالها المتظاهرون شعار (طلعت ريحتكم) وهو شعار فيه من الدلالة الكثير، فالرائحة لا تبعث من النفايات فقط، بل من العقول البشرية، وهي رائحة أشد فتكا بالمجتمع من رائحة النفايات التي تسبب بها الفساد المستشري في لبنان، فتقرر اسرة مكونة من خمسة أشخاص الهروب بعيدا عن المدينة والعيش في مكان شبه منعزل، معتمدين على ما تجود به مزرعتهم لتأمين متطلبات الحياة، فتراهم سعداء في عزلتهم هذه، التي لا يعكر صفوها شيء، لكن وفي احد الصباحات يفاجؤون بصوت معدات ثقيلة تحفر امام مزرعتهم مكباً كبيراً للنفايات، لتبدأ رحلة معاناة جديدة بعد أن اعتقدوا انهم تخلصوا من مشكلات المدينة الغارقة بالنفايات، ولتبدأ رحلة التحدي لمقاومة شركة الحفر هذه.
 
 الاشتغال
بدراية تامة من موضوعة فيلمها، وكيفية تحريك شخوصها استطاعت المخرجة مونيا عقل أن توصل للمشاهد ثيمة فيلمها، وبدلالات عدة تتضح من وراء الصور أو جمل الحوار، فالعمال و الرجل الذي يتردد على الجدة وهو بعمرها يقولون جملا توضح حجم الفساد، اذ يقول الرجل للجدة لا تخافي (همه ميكملوش حاجة) وبعد فترة يتركون المكان والمكائن ويغادرون وهذا ما حصل في آخر الفيلم، فالفساد هنا، ليس بالفشل برفع النفايات فقط، بل في نقلها الى اماكن لا يصح نقلها اليها، وفي الجانب الآخر يتضح ضعف العلاقات الأسرية، فلولا اخت الزوجة التي تملك الارض والتي باعتها لا يمكن لهذه الشركة أن تفعل ما فعلته، وتبدو غير مبالية بمصير بيت الأهل، فلها نزواتها وطموحاتها التي تجدها في المدينة وليس في هذا المكان النائي عن المدينة.
وفي لمسة جميلة يوضح لنا الفيلم الكبت الذي يمكن أن يعانيه الشباب في هكذا أماكن، من خلال اعجاب البنت الكبرى المراهقة بمهندس العمل، وبذلك ابتعدت مونياعقل عن التشبث بالاقناع المطلوب للمشاهد، ان العزلة جميلة في مزرعة يتوفر فيها كل شيء، حتى الجدة التي تتوفى فيما بعد ما زالت تستذكر ملذات المدينة وتطالب بسكائر لا تقبل الاسرة أن تدخنها خوفا على صحتها.
 
تأويل النص المرئي
الفاسد موجود في كل مكان، نعم هناك تباين في مستواه بين مكان وآخر، لكن في بلد مثل لبنان او في معظم بلدان الشرق الاوسط يكون بارزا وبشكل واضح، وموضوع طرحه في فيلم سينمائي، يتطلب تناولاً مختلفاً عن الطرح المباشر، فالفيلم هنا روائي وليس وثائقيا، وحتى الافلام الروائية التي تناولته لم تفلح بأن تبتعد عن المباشرة في الطرح إلا في نزر يسير، لذلك اختارت مونيا عقل تناول الحكاية بشكل مختلف موظفة فيه الكثير من الدلالات التي تشير الى عمق المشكلة، وكذلك الى كيفية مقاومة النفايات من كل نوع وليست النفايات التي تخلفها المعامل او المنازل بل هناك نفايات بشرية تلقي بسمومها على الجميع من دون أن تجد الرادع لها، وكم ادى هذا النوع من النفايات البشرية الى فناء ناس وتغييب لمعالم الحضارة، 
سواء كان ذلك في لبنان او بلدان 
أخرى.
النفايات البشرية تسير على قدمين تأكل وتشرب مع الناس، هم أناس في شكلهم، لكنهم نفايات حقيقية في عقولهم وفي تفكيرهم، ويريدون للآخرين أن يكونوا مثلهم، فالكثير من هؤلاء يعملون بمناصب عالية، البعض منها هو من يقرر مصير آلاف البشر، وبالتالي 
فان مصير هؤلاء الناس ذاهب الى الخراب.
وواحدة من مهام السينما هي الغور في الواقع وكشف المسكوت عنه، وهنا يتعرض فيلم «كوستا برافو» الى واحدة من اهم المشكلات التي تطيح بطموحات الناس، وهي آفة الفساد التي دمرت وما زالت مجتمعات عدة، ومن بينها دول عدة من الشرق الأوسط والوطن العربي.