الجغرافيا هي التي تصنع التاريخ

ثقافة شعبية 2019/03/08
...

شاكر السماوي 
لا يمكن ان يتساوى النضال في الخارج , مع النضال في داخل الوطن , ولا يمكن اقرار معادلة تساو بين النضالين , فالارجحية الصراعية النضالية في جدوى , الممارسة النضالية تظل في كفة النضال الداخلي . اما دور النضال في الخارج , ففي افضل حالاته الصراعية يظل مكملا للنضال في الداخل , وحتى في حالة الفعل الوطني السليم , والمؤثر صراعيا مع توفير المناخ الديمقراطي , بين التنظيمات الوطنية المعارضة في الخارج , وتحقق تكاملية نضالية بين المنهج الوطني الثوري وتطبيقاته , في الخاص منها داخل التكوين التنظيمي الواحد , او في العام عبر تشكيلات التحالفات الوطنية . اقول حتى عند توافر هذه الاشتراطات الاساسية , لا يمكن اعتبار الفعل او التشكيل الوطنيين في الخارج , بديلا عن الفعل والتشكيل الوطنيين في داخل البلد , ولا حتى موازيين او معادلين لهما في القيمة الفعلية , والدور والمهمة والدفع التأريخي التقدمي . ان أي اجتهاد يصر على اشاعة ,, وتكريس اعتقاد معاكس , يظل اجتهادا دخيلا على قوانين الصراعات الطبقية , لانه يطرح التنظير الذي يشكل الوجه الثاني , من موضوعة تصدير الثورة من داخل ما الى خارج ما , ان لم يكن اكثر خطلا وعطلا , ان التحولات الحقيقية والجذرية والسليمة , والصالحة لنوعها على المدى البعيد , لم تنجز الا من خلال تأصل وتضافر وتلاحم القوى , التي تتصارع في فلك تضادها المصيري , مع اعدائها في الداخل الوطني والشعبي . 
اما ما يمكن تجييره لصالح التشكيلات الوطنية , المعارضة في الخارج ودورها وجهدها النضاليين , فهو ان ترتقي الى مستوى الاهلية والفاعلية في ان تكون , قوى تكميلية نافعة ونشطة لصالح حركة المعارضة في الداخل , والا فان محاولة كسر عنق الصراع الوطني وقوانينه , يقلب المعادلة الجدلية التي ثبتها قبل قليل , باشاعة وتكريس واهمة ان لا خلاص , الا بتصدير البدائل من الخارج , لن تؤدي اعني هذه المحاولة , الا الى تشويه الصراع وعرقلته وحرفه باتجاه , يقود بالحتم الى ترسيخ العطل العام والانزياح تدريجيا , بعيدا عن المهمة النضالية ذاتها . والتأريخ البشري حافل بالادلة التي تعزز هذا التوصل , فلناخذ مثلا التجربة البلشفية التي قالت لنا : ان لينين لم يعط للتكوينات التنظيمية البلشفية في خارج روسيا , اكثر من ما يقتضيه الدور التكميلي , لعوامل وقوى وتشكيلات وممارسات الثورة في الداخل , رغم الفترة الطويلة التي قضاها , هو كرأس اول ومعه البعض من كوادر الحزب , وعناصره في المنافي والعالم يعرف , ان البديل الاشتراكي السوفيتي , تمخضت عنه قوى الثورة في الداخل . وانا على يقين تام ان لينين , لم يكن قد نظر او ظن او حلم بان , البديل الاشتراكي المرتقب آت على يد البلاشفة , في سويسرا او في باريس او برلين او لندن . 
او انه اعتقد بان القيصرية او الكرنسكية ستسقطان بيافطات وحماسات وعنتريات , اعلام الخارج او مسيراته ووفوده وتحدياته ,  بل نظر وخطط وقاد التطبيق المؤدي صراعيا , الى اعلاء دور الحركة الثورية , في الداخل صوب اسقاط القيصرية , ومن ثم سلطة البرجوازية التي تلتها . وهذا ما انجزه كادحو روسيا وجنودها ومثقفوها الارقى  ثورية , ومن وثائق ومواقف واعمال المعارضة البلشفية , نكتشف ان ما حرصت عليه هو التوصل , الى اعلى اشكال التكامل الثوري مع قوى الثورة الداخلية , والحرص العالي على الترافق معها , باتجاه اغنائها وتسهيل مهمتها في صراعها مع اعدائها السلطويين , والطبقيين اجتماعيا وتياراتهم الانتهازية واللاثورية على ارض الوطن الام , التي وحدها كفيلة بانجاب بديلها الثوري او الوطني او القومي , لان الجغرافيا في نهاية المطاف هي التي تصنع التأريخ.