صورة ابراهيم

ثقافة 2021/11/10
...

 حبيب السامر 
 
في لحظة ترقب هادئة، كان الجميع ينظر إلى الزاوية العليا من المسرح الصيفي، وسط تخاطف الأضواء الملونة، وهي تحدث ضجة ساحرة في تتابع نهايات الألوان في الفضاء البعيد.. كانت الزاوية مضاءة بصورة لا تتضح ملامحها عن بعد، لكن الضوء المنبعث منها يجعلنا أكثر توقا لفك الالتباس في الرؤية. يبدأ الرجل الأبيض بسرد حكايته على خشبة المسرح الحديدي، كلماته تشبه روحه، فيما كان الرجال ببزات أنيقة في مقدمة الحضور يترقبون أوقاتهم بابتسامات سريعة لقول ما يمكن أن يسحب نظرات الحاضرين ويوقظ سكونية الهدوء بكلمات تحاكي نبضات أجواء الحشود الجالسة والواقفة على امتداد البصر، لكشف رؤية حديثهم الذي سيطول، لكن ما حدث كان رصداً خاطفا لتجسيد وقائع خلاصات الحديث الجديد بدهشة التفاعل مع خطاب مختصر يتصاعد مع نسغ الحياة، وتتوالى كلمات اليقين من القيمة المعاصرة والحديثة لتشكل حالة خصبة في الإطراء وتعاضد الحركات المتفاعلة من أجل خلق التفاعل البناء. ظلّت عيوننا تتابع تخاطف الألوان وهي ترسم في الفضاءات لوحات سريالية، تعكس بهجة الصدور وانبهارات الروح التي تنشد لحظة خلق الجمال بين الجالسين في الهواء الطلق، وهنا تذكرت قول إدواردو غاليانو: «أنا لا أطلب منك أن تصف سقوط المطر، أنا أطلب منك أن تجعلني أتبلل، فكر بالأمر أيها الكاتب». وهنا نحاول أن نكشف سر المتابعين لتلك الزاوية المضاءة بصورة باسمة، لتصل إلى مبتغاها في نفوس الحاضرين مثل حكاية بَصَرية، وأحاول أن أتذكر لحظة التقاط هذه الصورة بالذات، وقت التقاطها، من النظر طويلاً في عين الكاميرا، وأين كان يجلس صاحبها، ومن كان معه وقتها؟، تساؤلات عدة قفزت في رأسي وأنا أحدق فيها من قرب جدا، فعلاً كان يبتسم وأتخيله يتحدث معي.. أين أنت الآن؟ ذهبت بعيداً جدا.. حين كان يستقبلنا بابتسامة وهو يردد (على راسي) يا لها من كلمة ظلّت راسخة في نفوس الجميع وحين تفاتحه بأي موضوع ويحسك تتألم يقول (لا عليك) وما أن تمر بأزمة أو أحد أفراد أسرتك تجده يرسل الرسائل ويتصل ليخفف حدة الوجع. في الصورة أسفل الشاشة الحمراء كان ينظر إلى الحاضرين ويبتسم، ماذا لو كنت حاضراً الآن، حتما ستجلس آخر القاعة، وعلى الرغم من أن الاحتفال بدأ في الهواء الطلق ستكون متواجداً مع الأصدقاء تنصت إلى الكلمات وفي يدك مسبحتك، وبصوتك المحبب تحدثهم بأن استمعوا جيدا.. وبهدوئك الجميل تنظر إلينا ويدك تسرّح شَعرَك، كانت الصورة الثابتة يسار النظرات تحدق في وجوهنا التي اختلط فيها الحزن بالفرح، كان يهمس لنا: ما أجمل وفاءكم أيها الأصدقاء!، كان قلبي يخفق كلما نطق أحد الحاضرين بذكر اسمه، وأتحسر على موت يخطف قلوب الفراشات، ويترك اللوعة في عيوننا تنهمر دمعاً ساخناً.. على مديات القصائد والوجوه المفعمة بالحب والنماء وسمو الوفاء، كانت الروح تحلق بين بساتين بعقوبة وتمسح عن خد السياب التعب، كنا نلمح وجهاً يصافح قلوب الجميع بهدوء، ويعتلي المنصة ليقول لنا: أحييكم على زهوكم بالحب، تمسكوا به جيدا، فهو خيط النجاة.. ومرر يده على صورته، تكاملت الصورة، وقفت بكامل بهجتها، حدقنا جميعاً وقف الحاضرون دقيقة فرح على وجوده الأجمل.. إنها صورة ابراهيم!