«كلشي ماكو» وعاصفة الخراب

الصفحة الاخيرة 2021/11/28
...

 القاهرة: ضياء الاسدي
 
ثمة افلام سينمائية تبقى نكهة صناعتها في ذاكرة المتلقي وتستطيع مشاهدها أن تحتشد في روحك مهما طال امد انتاجها، ولا داعي لذكر بعض الأفلام العالمية التي لم تغادر ذائقتنا مهما عصف بنا الزمن هذه الحروف تماثلت امامي وانا انتهي من مشاهدة الفيلم العراقي «كلشي ماكو» للمخرجة ميسون الباجه جي والكاتبة ارادة الجبوري الذي عرض ضمن مهرجان القاهرة الدولي للأفلام السينمائية، إذ قدمتا عملا لا يمكن تجنيسه ضمن السينما الوثائقية او الروائية الطويلة، انتجته شركات عديدة وشارك في عدة مهرجانات دولية.
واغفل الفيلم العديد من الجوانب الانسانية المهمة التي سيطرت على الشارع العراقي ابان غياب الأمن وانتشار الفوضى بعد العام 2003، كما انتهجت موضوعة الفيلم الخيارات الطائفية التي وان كانت موجودة هنا وهناك بين البعض، لكن وضع المجهر على هذه الجزئية بقصدية مريبة، تذهب المعنى الحقيقي لشهامة الاسر العراقية المتراصة، والتي لم يفرقها المذهب والسلاح رغم محاولة تهشيم الدولة العراقية من قبل جهات خارجية بواسطة ادواتها الخارجة عن القانون.
دارت كاميرا الفيلم بشوارع بغداد الخفية، التي ملأ الخراب ارصفتها وترنحت بناياتها القديمة تحت يافطة الحرب الأهلية غير المعلنة، ولم تستطع تلك العين أن تخلق توازناً حقيقياً بين شراهة الفوضى وجزالة التراص المجتمعي السائد بين الاسر البغدادية على وجه الخصوص، كما تجاهل الفيلم مكامن الروح المقاومة والرافضة لتقطيع اوصال البنية المدنية للعراقيين من قبل الأغلب الأعم من الشعب الذي كان يقاد البعض منه من خلال مجاميع سياسية تتقصد اثارة النعرات الطائفية فيه، من اجل مصالحها والحفاظ على ديمومتها في السلطة.
ولم تكن مشاهد بعض العرض صادقة او قد توخت الدقة في تصوير الحقيقة في بغداد، كما حصل في مشهد جثة المرأة الملقاة في نهر دجلة بدعوى البغاء، وكذلك المشاهد المقززة لأصوات الانفجارات التي تكررت على نحو ممل وممجوج، ما دعا الكثير من الحضور الى ترك مقاعدهم تذمرا من اطالتها والتركيز غير المبرر لنعيق أصواتها في محاولة لتمويه المشاهد واغراقه بالسوداوية القاتمة، فمثلا منطقة البتاويين التي تحتل قلب بغداد والتي دارت احداث الفيلم على محاورها، لم تشهد الطائفية على نحو كبير بسبب وجود الكسبة  والاختلاط العرقي في تلك المنطقة الفقيرة.
إن صناع الفيلم حاولوا بكل جهدهم أن يسوقوا الخراب بكل تفاصيله المملة، كما حاولوا أن يوثقوا الدمار والظلام بمباشرة لا تمت الى صناعة السينما بصلة، حتى تنتهي مشاهد الفيلم الخالي من الحبكة والتشويق بهبوب عاصفة ترابية تغلف بغداد وتشوه معالمها العمرانية، في اشارة الى أن الجمال لن يعود الى المدينة، وهذه اكبر عثرات الفيلم وسقطته التي لا تغتفر.