ضحاياه النساء والأطفال تزايد حالات العنف الأسري مع غياب الحلول القانونيَّة

ريبورتاج 2021/12/02
...

 بدور العامري 
غياب الرادع القانوني وعوامل اقتصادية في مقدمتها البطالة، فضلا عن عوامل اجتماعية مثل التفكك الاسري وتدني مستوى الوعي الثقافي لدى الافراد، اسهمت في ازدياد حالات العنف الاسري في الآونة الأخيرة في البلاد، اذ تم تسجيل (15) الف حالة عنف اسري خلال عام 2020، بحسب إحصائية المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق، لتحتل الزوجات والأطفال النسبة الأكبر من المعنفين فيها.
إضافة الى كبار السن، الامر الذي عده ذوو الاختصاص بمثابة جرس الإنذار الذي يهدد الركيزة الأساسية في بناء المجتمع المتمثلة بالاسرة.
 
الرادع القانوني
الناشطة والحقوقية بشرى العبيدي اكدت خلال ندوة حوارية حول موضوع دراسة مسودتي قانون الحماية من العنف الاسري، حضرتها «الصباح» أن التأخير في تشريع قانون الحماية من العنف الاسري وغياب الإجراءات القانونية الرادعة، أديا الى اتساع نطاق جرائم العنف الاسري في العراق خلال الفترة الأخيرة، وتبين العبيدي أن منظمات المجتمع المدني تعمل على قدم وساق لتوحيد الرؤى للخروج بقانون متكامل خال من الثغرات والنقاط الخلافية لغرض تقديمه الى الدورة الجديدة لمجلس النواب لغرض التصويت عليه، وبينت العبيدي: ان المجتمع العراقي ينتظر من هذه الدورة الانتخابية دورا كبيرا في انجاز القوانين المهمة التي تمس حياة الفرد العراقي وتحافظ على تماسك الاسرة، داعية الأعضاء الجدد الى ضرورة مغادرة أساليب التسويف والتعطيل التي تعرض لها القانونان السابقان من قبل بعض الكتل ذات التوجهات الاجتماعية والدينية.
 
نشاط مدني
الناشطة المدنية سارة صلاح الدين مديرة مشاريع في منظمة (wtdc) دعت الى أهمية وجود العدالة بين الجنسين وليست المساواة، اذ تقول “هناك من يحاول الخلط بين المفهومين، ونحن نعرف أن العدالة هي ما تحتاجه المرأة في المجتمع، وعلى هذا الأساس اخذت منظمات المجتمع المدني وعلى رأسها منظمتنا التي شرعت بتحشيد الدعم الإعلامي والقانوني لتشريع قانون حماية الاسرة من العنف متمثلة بحملة (دفع) بدعم ورعاية منظمة (Oxfam) المهتمة بشأن توفير الاطار القانوني لحماية الاسرة والمرأة على وجه الخصوص، وفي الخصوص ذاته، أوضحت مستشارة رئيس الجمهورية لشؤون المرأة خانم رحيم لطيف: ان  جميع المنظمات الإنسانية المحلية والدولية تتفق على أهمية تشريع قانون مكافحة العنف الاسري في العراق، باعتباره من اكبر التحديات التي تعيق تنمية وتطور واقع المرأة في البلاد، اذ نجد ما يقارب 20 توصية من اصل 298 توصية لمجلس حقوق الانسان لعام 2019، كانت موجهة للعراق وتتعلق بتجريم العنف الاسري وتشريع قانون خاص لحماية المرأة والاسرة العراقية بصورة عامة.
 
ثغرات
رئيس اتحاد الحقوقيين العراقيين محمد الداوودي يسلط الضوء على عدد من النقاط الخلافية والثغرات القانونية التي تعاني منها المشاريع القانونية المقدمة كمسودة من رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء على سبيل المثال لا الحصر، فقرة السماح لكل من علم بوقوع الخلاف بالتبليغ عنه مع الاحتفاظ بالسرية التامة لهوية المبلغ، اذ يعتقد الداوودي أن هذه الفقرة ستفتح الباب امام البلاغات الكاذبة وتصفية الحسابات الشخصية، وكذلك نقطة منع الشخص المشكوك في نيته الايذاء من دخول المنزل لمدة 48ساعة، ويستند الداووي في اعتراضه «على أن القانون لا يعمل بالنوايا وانما بالوقائع المثبتة بالادلة»، إضافة الى عدد من الفقرات المتعلقة بدور الايواء الخاصة بالمعنفات، واهمية أن تكون تحت رعاية جهة معينة مثل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وغير موزعة ادارتها بين عدة جهات لاعتبارات اجتماعية. 
من جانبها قدمت الدكتورة بشرى العبيدي ملاحظاتها على عدد من الفقرات الخلافية التي لا تخدم جوهر القانون والغرض منه مثل تقديم (الصلح المطلق) مع المعنف، اذ تعتقد العبيدي أن موضوع الصلح يجب أن يكون وفق ما هو مسموح به حسب القانون النافذ كي لا يكون مكافأة للجاني.
 
مشكلات جوهرية
وبحسب رأي المهندسة ليلى عبد اللطيف التميمي وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية السابقة فان هناك مشكلات جوهرية يجب الالتفات اليها وإيجاد الحلول المناسبة لها، وهذه المشكلات كانت السبب بوجود العنف الاسري او زادت من وتيرته، مثل مشكلة البطالة وعدم وجود فرص عمل للشباب لتلبية متطلباتهم الأساسية، وكذلك مشكلة المخدرات وانتشار تعاطيها بين الشباب، اضافة الى تدهور الوضع الاقتصادي لكثير من الاسر ما يجبر الأطفال على العمل في أماكن غير مناسبة لهم، وتعتقد المهندسة ليلى التميمي ان جميع هذه المشكلات تولد التوتر والضغط النفسي لدى الاب والام وبالتالي ينتج العنف بين افراد الاسرة الواحدة. وترى التميمي بحسب الاحصائيات الواردة من الجهات القضائية ان العامل الاقتصادي يشكل اكبر التحديات التي تتسبب بالعنف الاسري في البلاد، فضلا عن التفكك الاجتماعي الذي لحق ببنية الاسرة نتيجة الابتعاد عن العادات الاصيلة في التربية، مثل انشغال الاب والام عن أبنائهما واهمال تربيتهم على الأسس السليمة.
 
عادات وتقاليد
الناشطة المدنية جنان سلمان تبين «ان الاسرة نواة المجتمع وعندما نهتم بالقوانين التي تدعم تمتين وتقوية الاسرة فاننا نعمل على بناء المجتمع على أسس صحيحة وقوية»، لتضيف موضوعة العادات والتقاليد الاجتماعية الرجعية التي تتمسك بها اغلب الاسر العراقية، باعتبارها موروثا بني على أساس خاطئ ويسوغ لاستخدام العنف ضد المرأة سواء كانت زوجة او ابنة، وتعتقد الناشطة جنان سلمان انه عندما تسيطر الثقافة الذكورية على المجتمع، نجد الكثير ينحازون للرجل على حساب المرأة، لذلك لا بد من وجود نظام قانوني يحكم في قضايا تعنيف النساء ومحاسبة مرتكبيها، فضلا عن ايجاد الملاذ الآمن من دور الايواء في حال كانت المرأة لا تملك المأوى الذي تلجأ اليه بعد تعرضها للاعتداء او التعنيف من قبل الزوج مثل الاهل. 
وتثير الناشطة جنان سلمان موضوع تأثير اهل الزوجين في تأجيج الخلافات واتساعها بعد تدخلهم في الحياة الخاصة لاولادهم واتخاذ القرارات بدلا عنهم، ما يزيد الأمور سوءا.
 
الثقافة والتعليم
اما المحامي خيام سرسم فيؤكد أهمية التوعية والتثقيف والاهتمام بمستوى التعليم للافراد في المجتمع، اذ من شأنه أن يقضي على مظاهر التخلف والجهل التي يعتقد سرسم انها سبب في تفشي ظاهرة العنف المجتمعي، خاصة ان المرأة تشكل نسبة نصف المجتمع  وهي مسؤولة عن تربية الأبناء من النصف الاخر، وبحسب المحامي خيام سرسم فان الثقافة والوعي لدى المرأة والرجل على حد سواء كفيلان بوضع الأمور في نصابها من حقوق وواجبات، كما نوه المحامي خيام الى عدة ممارسات اجتماعية خاطئة تمارس بصورة يومية يمكن أن تشكل أرضية خصبة لوجود العنف الاسري فيما بعد، مثل  (زواج القاصرات) الذي ينشئ اسرة غير متكافئة الطرفين وبالتالي تكون عرضة للمشكلات والعنف، وغالبا ما تنتهي هذه الزواجات بالانفصال والطلاق، نتيجة لعدم التفاهم وكثرة الخلافات الزوجية، وبالتالي وجود ضحايا جدد من الأطفال. 
 
مبادرات
ولفت المحامي خيام سرسم الى أن القضاء العراقي بادر بايجاد مخارج قانونية يمكن أن نسميها حلولا (مرحلية) لحين تشريع قانون خاص بمكافحة جرائم العنف الاسري، ايمانا منه بدور الاسرة في بناء مجتمع سليم ومتكامل، اذ اصدر بيانا بتاريخ 31 ايار خلال العالم الجاري، تضمن تشكيل محكمة تحقيق متخصصة بالنظر في قضايا العنف الاسري يكون مقرها في مركز كل منطقة استئنافية في بغداد والمحافظات، كما سبقتها خطوة تشكيل محكمة جنح مختصة بالنظر في قضايا العنف الاسري، إضافة الى مهامها الاصلية، اذ ستوكل الى هذه المحاكم مهمة مكافحة جرائم العنف الاسري ومعاقبة مرتكبيها، كما ستضع آلية لمساعدة الضحايا الذين تقع عليهم جريمة العنف الاسري، علما ان المحاكم المختصة بالتحقيق في جرائم العنف الاسري تطبق القوانين النافذة، ومنها قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969المعدل وقانون رعاية الاحداث رقم (76) لسنة 1983، لأن المشرع العراقي لم يصدر قانونا.
 
سياسات وبرامج
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قد أصدر بيانا، بمناسبة اليوم العالمي لوقف العنف ضد المرأة، أعلن فيه «ان العنف ضد المرأة ليس امرا حتميا، وان البرامج والسياسات المناسبة تفضي الى نتائج، بمعنى ان الاخذ بستراتيجيات شاملة وطويلة الاجل تعالج الأسباب الجذرية للعنف وتحمي حقوق النساء والفتيات وتعزز حركات حقوق المرأة القوية المستقلة، مشيدا بالنموذج الذي اضطلعت الأمم المتحدة ببنائه من خلال شراكتها مع الاتحاد الأوروبي، في مبادرة تسليط الضوء ومضاعفة الجهود للقضاء على العنف ضد النساء والفتيات بحلول عام (2030). وبحسب البيان استطاعت هذه السياسات أن تحقق نتائج ملموسة في مجتمعات البلدان الشريكة خلال عام 2020، على الرغم من القيود التي فرضتها جائحة كورونا، اذ شهدت الملاحقة الجنائية للجناة زيادة بنسبة 22 % عن العام السابق، وتم إقرار او تفعيل 84 من القوانين والسياسات الخاصة بمكافحة العنف ضد النساء، إضافة الى حصول 650 الف امرأة على خدمات الوقاية من العنف
الجنسي.