الحقائق الصحيَّة.. في صحافة الأخبار العلميَّة

من القضاء 2019/03/09
...

ترجمة: عادل العامل
تتردد يومياً في الصحافة العلمية، (على وجه التحديد الأبواب المخصصة لأخبار العلم في مختلف الصحف والمجلات)، مقولات وأخبار لا تتفق والحقائق العلمية السليمة في الغالب. ولو أخذتُ،  يقول الدكتور جيرمي برود في مقاله هذا، ما تنشره الوسائل الإعلامية بشأن العلاجات الشافية من السرطان، مثلاً، على محمل الجد، لكنت قد “اكتشفتُ” شخصياً 57 دواءً مضاداً للأورام الخبيثة، على مدى دراساتي لنيل الدكتوراه في الفلسفة فقط!. 
وليس في هذا الأسلوب الصحفي في تغطية الأخبار العلمية قدرٌ كبير من الخطورة، وقد يُشيع الأمل في نفوس الناس. لكن عقاقير العلاج الكيميائي تأخذ، في الواقع، سنوات من الاختبار السريري، وملايين الدولارات، وصفحات من التوثيق القانوني قبل أن تصل إلى السوق. ونبدأ نحن بالدخول في منطقة رمادية، على كل حال، حين تروّج وسائل الإعلام لمنتجات غير مضبوطة أو تفبرك اقتراحات غير واضحة، وغير مُثبَتة، بشأن الطرق التي تعمل بها أجسامنا.
 
ضرورة اعتماد الفهم العلمي 
وعليه، ينبغي على الناس ألّا يُقيموا قراراتهم المتعلقة بالصحة على مقالة قرؤوها على الأنترنت أو شيءٍ ما شاهدوه على شاشة التلفزيون. فالخيارات المتعلقة بالصحة ينبغي أن يحكمها أفضل فهم علمي ممكن متيسر للناس وليس شيئاً يقال في الإعلام السائد. 
وقد نشرت BBC مؤخراً، على سبيل المثال، قصةً بعنوان “الجينات النحيفة skinny سر بقاء المرء نحيلاً”، وهو ما يرمي إلى أن كون الواحد نحيفاً أو سميناً هو إلى حد كبير نتيجة لتركيبه الجيني. وتبدأ القصة بـ “ يقول علماءٌ إنهم قد اكتشفوا السر وراء لماذا يكون بعض الأشخاص نحفاء بينما يزداد وزن غيرهم بسهولة”. والمشكلة هنا أنك حين تنقّب في تفاصيل المقالة، تجد أن ذلك ليس صحيحاً. فالبحث الأصلي الذي استندت عليه مقالة BBC لا يحدد الجينات كسبب للسمنة وإنما، بالأحرى، كعامل وراثي من عوامل التعرض للإصابة بالسمنة.
 
غاية الصحافة استمالة القرّاء
إنني أكتب كثيراً حول الحِمية الغذائية، والتمرين، وخسارة الوزن، وتركيب الجسم. وقد عملتُ كذلك مدةَ سنتين تقريباً في مختبر التنشيط البايولوجي المتعلق بجسيمات الخلايا الذي يبحث في العمليات الجزيئية وراء تطور السمنة وداء السكّري نوع 2. وأمتلك مع هذا معرفة أساسية في علم وراثة السمنة. وعليه، فكيف أمكن لصحافي ومحرّر القيام بمهمة تحليل أهمية البحث الوراثي الواسع في عوامل الخطورة الوراثية لمرض ملازم للمرء في طريقة عيشه؟ لكن، بالطبع، لا يبدو أن غرض القصة أن تكون تعليماً في هذا الإطار؛ إنما هي استمالةً للقراء.
إن هذه الصحافة العلمية تمارس بعض التجاوزات في كتابتها “يقول علماء” و”استنتج باحثون”، وحتى حين لا تكون تلك هي القضية بالضرورة. فالناس يثقون بالعلماء والأطباء، وكل الحِرفيين المدرَّبين في مجال معيَّن، في الواقع. ومن الأسهل كثيراً أن تبيع قصةً أو مقالةً إذا وضعتَ الكلمات على لسان عالم!.
ومع أني أتفق مع الطريقة التي يماشي بها العلم التيار السائد، فإننا نحتاج لطريقة تؤدي إلى تعريف الناس بآخر المستجدات في البحث العلمي الصحي. والصحافة العلمية تتناول البحث المنشور وتعيد صياغته إلى شيءٍ قابل للتسويق التجاري. وفي الوقت الذي يُعدُّ اهتمام الرأي العام أمراً واعداً، فإنّ ذلك بالنسبة للوسائل الإعلامية مجرد منتَج آخر يتم الدفع به. 
 
قصة الـ BBC مرةً أخرى
وإذا عدنا إلى ما فعلته BBC، فإنّ النتيجة التي كانت الدراسة الأصلية قد توصلت إليها بشأن الجينات هي أن جينات معينة تكون أكثر شيوعاً بين الأشخاص النحيفين طبيعياً، مثلما أن جينات معيّنة أكثر شيوعاً بين الأشخاص الزائدي الوزن والبدناء. واستناداً على ذلك، فإن التركيب الجيني يمكن استخدامه لتحديد إمكانية إحصائية لأن يكون الواحد نحيفاً وإمكانية إحصائية لأن يكون سميناً. وهذا مغاير لما أوردته BBC في قصتها عن جينات النحافة والسمنة. فجيناتك، على كل حال، لا تتسبب في أن تُصبح سميناً أو نحيفاً. ذلك أن أفعال الشخص، وعوامل فيسيولوجية أخرى، ما تزال المحدد الرئيس
 للحصيلة. 
وعليه، فإنّ الصحافة العلمية تتّبع اتجاهاً خطراً في إيهامها الناس هكذا بأنهم أقل مسؤوليةً مما يعتقدون به في ما يتعلق بأمورهم الصحية. ففي الحقيقة، هناك العديد من العوامل المؤثرة في صحة المرء والتي يمكنه التحكم بها أو تغييرها باتجاه تحقيق الوضع الصحي السليم، كنوع الغذاء الذي تعوّد عليه، والنشاطات البدنية التي يمارسها، والوسائل الوقائية، والبيئة، وما هو ضار وما هو نافع من العادات في حياته اليومية .. إلخ.
 
عن / Medium