الأميرات العربيات.. حياة سريَّة
من القضاء
2019/03/09
+A
-A
علا سالم
ترجمة: ليندا أدور
عندما هربت الشيخة لطيفة (33 عاما حينها)، ابنة حاكم دبي، من وطنها الأم الامارات في شهر شباط من العام الماضي، على متن يخت يملكه أحد الأثرياء الفرنسيين، جنّد والدها، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فريقا على وجه السرعة لتعقبها والإمساك بها، وبالفعل، أعيدت قسرا الى بلادها في غضون أيام.
كان يمكن للقصة بأكملها أن تبقى طي الكتمان، لولا شريط مصور أمده 39 دقيقة، سجلته الأميرة قبيل هروبها وتم تسريبه قبل إلقاء القبض عليها. تقول “لطيفة” في تعليقها الذي يظهر مع الشريط وهي تناشد لانقاذ حياتها: “ان كنت تشاهد هذا الفيديو، فهو ليس بالأمر الجيد، فإما أكون قد مُت أو أعيش ظروفا سيئة جدا جدا”.
نظام وصاية
يبدو أن توقعات الأميرة “لطيفة” المتشائمة بدأت تتحقق، فقد عمدت عائلتها الى وضعها تحت المعاينة الطبية الاجبارية، لكن محاولتها نيل حريتها أمر يستحق الاهتمام، فمع تفاصيل احباط محاولة هروبها، يسلط الفيديو الضوء على الحياة السرية التي تعيشها الأميرات العربيات وغيرهن من النساء الثريات والمرفهات، فضلا عن تركيزه على الفجوة بين الصورة الممنهجة عنهن وواقعهن المزري الذي تعيشه تلك النساء.
فمعظم النساء العربيات يعانين من الحرمان الاجتماعي، اذ غالبا ما تضع العوائل التقليدية، قيودا صارمة على النساء، بناء على القبيلة التي ينحدرن منها، فقد تكون قيودا على الشخص الذي يمكنهن الزواج منه، ومدى الحرية الممنوحة لهن خارج المنزل، وحول استخدامهن لوسائل التواصل الاجتماعي، وامكانية السفر، والى أين، وامكانية العمل والدراسة، ومتى يتزوجن، ومن يمكنه رؤية وجوههن. بموجب نظام الوصاية في المملكة العربية السعودية، يمكن للقريب من الذكور (كالزوج أوالأب أو الأبن في بعض الحالات) التمتع بكامل الصلاحيات لاتخاذ قرارات حاسمة تخص الفتاة من ولادتها وحتى الممات.
ينسحب هذا النوع من التعامل الى المؤسسات العامة خارج نطاق المنزل والأسرة، فحتى وقت قريب، على سبيل المثال، كانت جامعة الامارات الحكومية تمنع الطالبات من حمل هواتف خلوية مزودة بكاميرات، فضلا عن إحاطة حرم الجامعي بسور من اسلاك شائكة، وفرض حراسة مشددة على بواباتها. ولغاية اليوم، لاتزال الجامعة تفصل بين الجنسين وبإمكان الطالبات مغادرة الحرم برفقة شخص لكن بعد موافقة ذويهن، والذين يتم اشعارهم بذلك برسالة حال مغادرتهن.
ناشزات
تقول هبة زيادين، الباحثة لدى هيومن رايتس ووتش، “انهم يستخدمون أسلوبا مختلفا (من نظام الوصاية) لكنه موجود، غير إن مستواه ليس بذلك التطرف الذي يعانينه داخل السعودية”. وتضيف زيادين، أن دولة الامارات، على وجه التحديد، ليس لديها قانون يعارض العنف المنزلي ضد المرأة، ولا يعاقب الاغتصاب الزوجي كجريمة، فضلا عن ان النساء العاملات من دون علم أزواجهن يعدن “ناشزات”.
وللالتفاف على تلك القيود، تلجأ أغلب النساء الى اتباع اسلوب التحايل والخداع باستخدام أسماء مزيفة على الانترنت، ووضع البرقع لتغطية وجوههن في الأماكن العامة، وإخفاء ضوء أجهزة المحمول عن عائلاتهن، ووضع الخطط لأجل التسلل خارج المنزل، والا تعرضن لعقوبة اعتمادا على القاعدة التي خرقنها وضبطن متلبسات بها، ففي حال ثبت تورطها مع رجل، ستقع عليها أشد أنواع العقوبات بما فيها الجلد أو السجن وربما القتل دفاعا عن الشرف. وهناك مركز “دار الرعاية” في المملكة العربية السعودية، وهو معروف بصيغة الحبس الانفرادي، وسيئ السمعة، ويستخدم لاحتجاز حالات “السلوك غير الاخلاقي”.
تقول هالة الدوسري، الباحثة والناشطة المعروفة: “بالنسبة اليهن، هو وضع لا يمكن احتماله، فلديهن وسائل تمكنهن من العيش المختلف والتعرف على نساء رفيعات المستوى من ثقافات أخرى”. لم تحرم النساء الثريات من وسائل الاعلام التي تصور لهن حياة النساء الغربيات، فأغلب الاحيان يكون هناك اتصال مباشر بين الطرفين. فبالنسبة لمجتمع تعتمد أغلبيته الساحقة على العمالة الأجنبية، كبعض الدول الخليجية، الكثير ممن يعملون داخل القصور هم من الاجانب، أما خارج القصر، فيكون تواصل النساء مع الاجانب العاملين لدى المدارس الخاصة وخلال السفر الى الخارج.
قيم تقليدية
كل ما تقدم، هو مجرد شواهد على حياة لا يسمح لهن بالحصول عليها، فالبنسبة للكثير منهن، بالكاد، تمثل الثروة عزاء لتلك النساء عن عدم قدرتهن على اتخاذ الخيارات التي يرغبن فيها. وما يزيد من تفاقم المشكلة هو النفاق المتفشي داخل المجتمع، فنجد أن العديد من العائلات العربية تفضل تقديم نفسها للعالم الخارجي على أنها ليبرالية وعصرية. فالأميرة “لطيفة”، على سبيل المثال، هي ابنة أحد الحكام العرب الأكثر انفتاحا بمنطقة الخليج، وغالبا ما يظهر مع زوجته الأميرة هيا بنت الحسين وبناته من دون حجاب للرأس. حتى أن الشيخ محمد أبدى معارضته للعنف الأسري، وحث على توفير حماية أكبر للقاصرات.
لكن معاملته لبناته تتناقض مع تلك الصورة الدولية. ذلك لأن حكم الشيخ محمد يعتمد على ان تتم رؤيته من قبل رعيته على أنه ملتزم بالقيم التقليدية، وهذا العبء يقع بالدرجة الأساس على مسألة حقوق المرأة، في العائلة والبلاد.
إن أي امرأة تهدد صورة العائلة أو نظامها يتم احتجازها، سواء داخل المنزل أو من قبل الدولة. فليس غريبا، أن تواجه النساء الإقامة الجبرية من النوع الذي فرض، الآن، على الأميرة لطيفة.
تكمن المفاجأة الصغيرة بأن محاولات هروب أميرات عربيات ليست بالأمر الجديد، اذ لم تكن محاولة الأميرة “لطيفة” هي الأولى، فقد سبق لها وأن حاولت الهروب خلال العام 2002، وهي لم تتجاوز سن السادسة عشرة، عندما حاولت اجتياز الحدود الى سلطنة عمان، لكنها أودعت السجن، فيما بعد، وتعرضت للتعذيب والحرمان من العناية الطبية. وكما يظهر الفيديو، فقد تحمست “لطيفة” لفكرة الهروب بعد أن فشلت شقيقتها الكبرى الأميرة “شمسة” في الهروب لتوضع ولسنوات قيد الإقامة الجبرية.
محاولات للهروب
تمتد المشكلة الى خارج دبي، يقول يحيى عسيري، مدير منظمة “القسط” لدعم حقوق الانسان ومقرها لندن، والتي تعمل لصالح النساء العربيات اللواتي يحاولن الهروب جراء الاضطهاد، بأن أربع من بنات الملك السعودي الراحل، عبدالله بن عبدالعزيز، بادرن إلى الاتصال به عدة مرات خلال العام 2013، بهدف الهروب الى خارج البلاد، وقد كن تحت الاقامة الجبرية، اثنتان منهن يجمعهن مكان واحد، والأخريان في مكان آخر. بعد تولي الملك سلمان للعرش، فقد عسيري الاتصال مع اثنتين من الفتيات الأربع ووالدتهما التي كانت تحاول مساعدتهن على الهروب. “في رسالتي الأخيرة الى الأم، سألتها ان كانت قادرة على حل المسألة، أو ان كانت قد تعرضت للتهديد” يقول عسيري مضيفا “أردنا فقط معرفة ان كان عملنا قد ساعدهن بطريقة أو بأخرى، لكن لم نتلق رداً.
لا يزال عسيري يتلقى اتصالات من أميرات سعوديات أخريات، يطلبن فيها مساعدته للهروب من البلاد، بالرغم من اختفاء (بنات الملك عبدالله). يبرز التحدي الأكبر بأن الأوصياء من الذكور، عادة ما يحتجزون جوازات سفر النساء، “ليس لدينا الكثير لفعله ان لم تكن الجوازات بحوزتهن”، والحديث لعسيري.
حلم الحرية
على الرغم من فشل محاولة الأميرة “لطيفة”، إلا إن ذلك لم يمنع أخريات من عموم المنطقة من محاولات الهروب عبر السفر الى الخارج، ليتركن وراءهن ثروات وامتيازات، فقط لغرض الحصول على فرص حرية أكثر في الغرب. فخلال الشهر الماضي، مُنحت “رهف محمد” أبنة حاكم مدينة السليمي، شمال المملكة العربية السعودية، حق اللجوء الى كندا بعد ان كانت مهددة بالترحيل الى بلادها من تايلند. بقيت “رهف” تغرد وبقوة، من موقع احتجازها، لمدة تزيد عن أسبوع، جذبت به أنظار العالم نحوها قبيل نجاحها بالوصول الى كندا. تقول زيادين بأن رهف كانت محظوظة، فوراء كل قصة هروب ناجحة، هناك الكثير من القصص الفاشلة”. وهناك حالة شبيهة الى حد ما بحالة الأميرة “لطيفة”، فقد جاء هروب رهف بسبب القيود الصارمة التي فرضت على حركتها وتعليمها، ومنعها من الابلاغ عن تعرضها للإساءة المنزلية، وجرى ابلاغها بعدم استطاعتها قص شعرها بالطول المناسب والمفضل لدى الرجال من الذين يبحثون عن زوجة، لكنها قصت شعرها، فوضعتها عائلتها، قيد الاقامة الجبرية كرد على تصرفها، حتى ينمو شعرها من جديد. “أملك المال لكني لا أملك حريتي” تقول رهف مضيفة، “لم أكن أريد المال، كل ما أردته هو الحرية وراحة البال”. أعلنت عائلة رهف، الموجودة في المملكة، التبرؤ منها، في محاولة لتخليص أنفسهم من عار جلبته لهم.
ربما تكون حالتا الأميرة “لطيفة” ورهف بمثابة دعاية سيئة خارج البلاد، لكنها ساعدت على كسب سلطات دول الخليج مزيدا من الدعم المحلي. فقد تم الترويج لقصة رهف على الفور في السعودية بوصفها مثلا سيئا، وحظيت بتغطية اعلامية واسعة داخليا، وساعدت بتغذية الرواية التي تستغلها الحكومات الأجنبية لخدمة أجنداتهم.
فقد سلطت وسائل الاعلام تلك، الضوء على أن رهف حاولت التخلي عن دينها تماما، وهو أمر يعد إثماً كبيراً لدى المسلمين، تصل عقوبته الى الموت. من الاوضح بأن قصة “لطيفة” ورهف قد هزتا عائلات أخرى، فاندفع البعض لاتخاذ الاجراءات اللازمة ليتفادوا خسارتهم لبناتهم.
*مجلة فورين بوليسي
الأميركية