كوشنير وتجارته الخاسرة

آراء 2019/03/09
...

حازم مبيضين
 

كما توقعنا، أنهى كوشنير صهر ترامب، وتلك أبرز مؤهلاته جولته في المنطقة، باحثا "صفقة القرن" بالحديث عن "تعويضات" بائسة تتمحور حول مبلغ 65 مليار دولار، 25 منها للفلسطينيين، و40 للأردنيين والمصريين، وربما يكون للبنانيين فيها نصيب، والسؤال هنا إذا كان يسعى لشراء حقوق الفلسطينيين في العودة والقدس والدولة المستقلة، بثمن بخس، فما الذي يسعى لشرائه من الأردن ومصر، مقابل ثمن أكبر؟.
معروف أنه يتواجد في الأردن عدد يقترب من 4 ملايين لاجئ، وهو صاحب الرعاية الهاشمية للمقدسات في القدس التي تكرسها خطط كوشنير عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل ما يعني أنه لا حل من دون الأردن، فهل مبلغ العشرين مليار دولار، موزعة على عشر سنوات هو ثمن تخلي الأردن عن مصالحه وحقوقه، وهل المطلوب منه توطين هؤلاء وأن يقر بالسيادة الإسرائيلية على الأقصى والمقدسات، أم أن مطالب صفقة القرن لا تتوقف عند هذا الحد، وأن المطلوب من عمان الذهاب مستقبلا للعب دورٍ مشبوه في ترتيبات ما بعد نهاية الحلم الفلسطيني بالحرية والاستقلال والسيادة، أما مصر وليس فيها غير بضع عشرات الألوف من الفلسطينيين اللاجئين، وليس لها مصالح أو  حقوق خاصة في فلسطين، فلماذا يحرص كوشنير على إدراجها في لائحة المستفيدين من المليارات الأربعين وما هي البضاعة التي يبحث عنها في القاهرة لشرائها بثمن بخس في كل الأحوال.
 
كوشنير، وهو قبل أن يكون سياسياً رجل أعمال، ورث المهنة عن والده ونمّاها مع زوجته وصهره، يؤمن بأن لكل شخص ودولة وسلعة وخدمة ثمناً، وقدّر أن هذا هو الثمن المطلوب في فلسطين والاردن ومصر وتجاهل لبنان لمعرفته أن حزب الله، يحظى هناك بنفوذ عظيم، وهو يرفض الانخراط في هكذا مشاريع
، أما سوريا التي تستضيف أكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني، فانها لم تسقط سهواً من حساباته، فهي معروضة كساحة لتصفية الحسابات مع موسكو وإيران وحزب الله، وما لم يطرأ تغيير جوهري عميق فيها، فانها لن تحظى، في المديين المنظور والمتوسط "بنعمة" الإدراج في قائمة اهتمامات واشنطن السلمية.
بالنسبة للأردن، فإنه حتى لو وافق على صفقة القرن، سیبقى مدیناً بأكثر من أربعین ملیار دولار، أي أن الصفقة الخطیرة لن تؤدي إلى حل مشكلته جذریا، وحتى أولئك الذین یقبلون بتسویات مُذلّة من هـذا الطراز یعرفون أن الصفقة ستبقي الأردن تحت سیطرة العالم من حیث الدیون، فلا یتغیر شيء أساسا، والمهم أنه لا أحد یتحدث عن المطلوب من الأردن وهل هو تجنیس مئات آلاف الفلسطینیین ممن یعیشون فيه ويحملون جوازات سفر بلا أرقام وطنیة من أهل الضفة الغربیة وغزة، ام هو التوطین الكلي للأردنیین من أصل فلسطیني، الذین یعدون مواطنین أردنیین لكن یراد منهـم التخلي عن حق العودة إلى فلسطین، أم هو شكل اندماجي ما بین الأردن والسلطة الفلسطینیة، بحیث یؤدي إلى تداعیات كثیرة، أو دور أمني اردني في الضفة الغربیة، أو حتى طي ملف القدس وإعادة صیاغته بشكل جدید؟ والمهم هنا أن صفقة كوشنير من ناحيتها الاقتصادیة مربكة جدا للأردن، فهـو لا یقبلهـا، وهـو یراهـن على صدهـا من جانب جهـات عدیدة أبرزهـا الأوروبیون إضافة إلى الفلسطینیین، كما أن نتنياهو إن فاز برئاسة الحكومة مجددا سيرفضها خشية إثارة الیمین الإسرائیلي، ومالم تخلصه من ملف غزة العالق، وتؤدي إلى أرباح كبرى له على صعید ملف القدس والأغوار، والأمن في الضفة الغربیة، وطي ملف اللاجئین في الأردن وسوریة ولبنان نهائياً في سیاق حل اقتصادي، لقضیة سياسية كبرى، مثل القضیة الفلسطینیة.
 يواجه الأردن شهـوراً حاسمة على صعید القضیة الفلسطینیة وتأثیرهـا وتداعيات ما يجري حولها، كما هو أمام أشهـر حاسمة على صعید الملف الاقتصادي، وبینهـما، فإن المساحات أمامه محدودة وهـو یواجه ضغوطات الامیركیین ومشاریع الإسرائیلیین ومحاولاتهم إعادة رسم خریطة النفوذ بوجود الإیرانیین والأتراك، والسلاسل التابعة للبلدین الإقلیمیین، إضافة إلى ما یجري داخل الأردن من تطورات. ويظل قائما السؤال المنطقي حول قدرته على رفض صفقة القرن، وإذا كان يملك أصلا القدرة على قول "لا" لواشنطن التي باتت المانح الأكبر للمساعدات، مع سؤال ما زال ينتظر الجواب حول الذي یریدونه من الأردن مقابل عشرین ملیار دولار لاتسمن ولا تغني من جوع.