شيماء عماد زبير
قالت والدتي بلهجة مستعجلة: سترافقين أصدقاءك الى بيت (الخالة ضحى) الوقت كان عصراً، يدي الصغيرة غفت في كف أمي وانطلقنا نخطو الخطوات العشرة بين الأبواب المتقابلة ودخلت فوجدت كل الاصدقاء (دنيا ،ياسر ،حارث ،احمد ،لمى ،وميض ، وانا ) لمحت والدتي تبتسم وتحاور الخالة ضحى وتغادر وانا فمي يرسم ابتسامة ( من الإذن للإذن ) ولم اهتم لمغادرة والدتي ففي زمان طفولتنا الذي لا اجده غابراً كانت كل بيوت الجيران فيها رائحة بيتنا ، الأسعد عندنا جميعاً انه كان يوم الخميس الذي ينفلت فيه الجميع من الدراسة، وغداً صباحاً سننام فلا توجد مدرسة، الخالة ضحى قالت:”اليوم راح انسوي كيكة! “ العبارة كانت صاعقة ! شعرت ان الدنيا صامتة وجسدي تُكوَّر في مُقلتي وأصبحت كُلي (عين)! قلت لها بتعجب هل الكيكة تصنع ام نقطفها من الشجرة!؟ ، فأنا اشاهد الكيك دائماً متوفراً في بيتنا بأشكال حلوة يخرج من علبة ونأكله بفرح،ابتسمت الخالة ضحى وقالت: كلا بل سنصنعها جميعاً ونضعها في الفرن ، وهنا ازداد الفضول وقلت: وهل الكيك يطبخ ايضاً؟! فقالت الكيك يشوى (ياشمه).
غير هذا لم اسأل، اما أصحابي اسمعهم يتكلمون ولم أصغي. جلسنا حول طاولة كبيرة والخالة ضحى تحضر وتخلط المواد وانا فاغرة الفاه واتصور انها تُمارس السحر، اذ كيف للطحين والبيض ان يكون (كيكة) وتخرج من الفرن ! هذا كل ما اذكره عن ذلك المساء.فتحت عيني وانا في فراشي صباح الجمعة، ثوان وتذكرت اني كنت أراقب سحر الخالة ضحى ،غادرت الفراش مسرعة، نزلت السلم مهرولة وجدت والديَّ في المطبخ يتناولان الفطور كعادتهما يستقبلانني بحفاوة القبلات ولكن في استقبال ذلك الصباح ابتسامة ترقب تشي بأنهما يخفيان فرحة لمحت عيني (الكيكة) كانت اجمل كيكة شاهدتها في حياتي حتى الان ! من طابقين بلونين (سمائي وبصلي) وورود بيضاء منثورة وشرائط الكريمة تهبط وتطلع بين الطابقين تحتضن الأزهار ، لم اسأل اي سؤال عن مساء الامس ولا كيف غفوت؟ وكيف وصلت لفراشي؟ولاالفرن والطحين والسحر؟! اكتفيت بفرحتي وبتقطيع الكيكة وتذوقها وفرحتي بها ثم قلت لنفسي (الكيكة إذن نقطفها من الشجرة!) المهم عندي هو الفوز بها ولا تهم التفاصيل وكل الأفكار السلبية.
حكايتي مع ( الكيكة) اكسبتني عقلية الفوز! لانه يتحقق من خلال عاملين، الاول عقلي والآخر بدني ومهاري ،هل نمتلكهما كأشخاص أو مجتمعات؟ طبعا لا !
كم مرة في اليوم نتأسف على نجاح للآخرين لم نصل اليه ونقول:(حظوظ) -كم نتحدث عن مايخصنا فقط ؟ وكم نتحدث عن الآخرين؟ - هل وصلنا لاخطائنا التي كانت وراء اي اخفاق مررنا به في حياتنا وكم مرة استخدمنا العبارات التالية (اني شعليه)، ( هو اني لو همه)، ( أسوي زين ينقلب شين طول عمري)، ( مؤامرات ماتخلص عليه)، ( كوله صوجهم) - السؤال الأهم ماذا تمتلك من إمكانيات حتى تكون افضل الجميع وتستحق نجاحاتهم ؟ اخر إحصائية عالمية تؤكد بان الفرد في العراق يمتلك معدل ذكاء يضعه بالمركز الاول عربياً ونسبة ذكاء الفرد متقدمة جداً تصل لـ 84 ٪ من دون الخضوع لانظمة تطوير وهذا يجعلنا بمستوى متقدم جداً عالمياً، في ظل ظروف تذهب بعقل اي إنسان، فتخيلوا حجم القوة العقلية التي يمتلكها العراقي لكنها تتبدد بسبب اسلوب التفكير وسياسة هدر الطاقة العقلية بعيداً عن المنطق في(العناد والتعصب).
فما فائدة ان اعلم ان البيض والطحين والزبدة والسكر تصنع الكيكة، ويأكلها غيري المهم انا من يفوز بالكيكة دون ان نؤذي أحداً ونتقاسمها بفرح وليتذوق الجميع طعم النجاح والشبع، وماذا في الامر ان زرع الآخرون أشجاراً تثمر الكيك ؟!