دواء الصيدليات.. أصلي أم تجاري

ريبورتاج 2021/12/22
...

  حسن جوان
تشهد الأسواق العراقية منذ سنوات انفتاحاً بضائعياً وسلعياً غير مسبوق، وقد نرجو لمثل هذا الانفتاح الإيجابي حسنات أدت في بعض جنباتها الى توفر خيارات كثيرة تعالج مستوى الطلب والقدرة الشرائية للأفراد بحسب دخولهم، ولكن قد يشمل هذا الانفتاح انماطاً سلعية لا ينبغي تداولها وفقاً لإرادة التاجر وحرية السوق، إذ إن تقديرات التسويق لدى مبدأ الربحية مرهونة بقوة الطلب على حساب جودة وسلامة المنتوج في كثير من الأحيان.
 ويزداد الأمر حساسية وحذراً عندما يتعلق المعروض بمواد ذات مساس مباشر بصحة الانسان مثل الأدوية والعقاقير التي تتوفر لدينا اليوم بمختلف مناشئها ومن مصادر شركاتها البحثية الاصلية، الى جوار أصناف مشابهة للدواء نفسه تقوم بتصنيعها شركات أخرى ويطلق عليها اسم موازٍ «تجارياً» في غالب الأحيان، ما مدى صلاحية الدواء التجاري ومادته الفعالة وظروف تصنيعه وتخزينه، لماذا يكون سعر التجاري اقل بكثير من الدواء الأصلي، وما انعكاس ذلك على صحة الافراد ودخولهم المحدودة في سبيل حصولهم على ما ينقذ ارواحهم او يخفف آلامهم وسط ظرف اوقاتنا الراهنة التي تشهد تفاقم الأوبئة وتصدر الحاجة الى العلاج ونوعيته كأولوية على المستوى العالمي وليس العراقي فحسب؟، أين دور شركات الأدوية العراقية وأجهزة الرقابة الحكومية بين هذا الكم السائد من الدواء المستورد من مختلف المناشئ الجيدة والرديئة؟، توجهنا بهذه التساؤلات الى بعض المتخصصين والمواطنين لنخرج بهذا التحقيق.
 
أنواع
تقول الصيدلانية ايناس موسى: يجب التوضيح أولا إن ظاهرة الدواء الأصلي والتجاري موجودة في كل العالم، والفرق بين النوعين هو ان الدواء الأصلي هو منتج الشركة المصنعة الأولى، على سبيل المثال دواء «الكرستور» يعود الى شركة اخذت على عاتقها جميع الأبحاث والتجارب السريرية والاختبارات وتسجيل المادة، وبذلك تصبح الفورميلا «المادة الفعالة» باسم تلك الشركة وهو في هذا المثال منتج شركة استرازينيكا، ويقال لهذه الحالة إن هذا البراند «الماركة» ملك لهذه الشركة، لكن هل هذا يعني أن شركات أخرى اذا قامت بتصنيع الكرستور يكون دواء مزيفاً؟، الجواب هو: لا طبعاً، لأن الشركة الاصلية تبيع فورميلا التصنيع وفقاً لاتفاق مع شركات أخرى بنسبة مبيعات او بطريقة بيع قطعي وهكذا، ما الذي تبيعه هنا بالضبط؟، هي تبيع الفورميلا التصنيعية والمادة الدوائية، وهذا ما تلاحظه من وجود اسم علمي للدواء واسم آخر تجاري، وعليه يمكن لأي شركة أخرى منتجة للدواء نفسه منح اسم آخر للدواء مع الحفاظ على المادة الفعالة للمنتج الأصلي، والى هذا الحد لا توجد أي مشكلة في تعاطي أي دواء تحت أي اسم تجاري، وتحدث مثل هذه الاتفاقات في التسويق نظراً لكون كبريات الشركات الاميركية والاوروبية تعاني من ظروف الشحن والنقل والتخزين والضرائب والكلف المرتفعة التي تتكبدها لايصال منتجاتها الى انحاء العالم البعيدة، والتي قد تؤدي الى زيادة باهظة في أسعار الدواء للمريض في الحصيلة النهائية، وعليه قامت شركات في الشرق الأوسط وفي آسيا وأماكن أخرى من العالم بانشاء مصانع اخذت على عاتقها تصنيع الادوية التي تنتجها الشركات الكبرى بكلف أقل، الى هذا الوصف نحن إزاء عملية قانونية وعلمية وصحية معمول بها في انحاء العالم، ولكن اين يكمن الخلل في حالات أخرى؟. 
 
تقليد وتهريب
يحدث الخلل بطريقتين- تضيف الصيدلانية ايناس - الأولى عندما لا تقوم الشركة التجارية بأخذ المادة الفعالة من الشركة المصنعة الاصلية، وذلك عن طريق اخذ عينة دوائية معروفة والقيام بتحليل مركباتها وصناعتها حسب النسب الموجودة في الأصل لكن عبر شراء مواد فعالة بكلف اقل كونها مواد غير خاضعة للسيطرة النوعية، او أن تكون السيطرة النوعية هي في بلدان لا تتمتع بالدقة الكافية مثل الهند وغيرها، بحيث تقل الكفاءة للدواء بشكل كبير مقارنة بالأصلي الذي يعطي فعالية كاملة مقابل التجاري الذي يعطي نسبة تقارب الثلث او الربع من الفعالية العلاجية، والطريقة الثانية هي وصول الأدوية المهرّبة مثل ما يحدث مع الأدوية التركية، المريض عادة - خاصة الامراض المزمنة- يسعد عندما يقول له الصيدلاني إن علبة دوائه بسعر 15 الفاً بدل 45 الفاً، وهو الدواء نفسه تماما كما يبدو، لكن هذا المنخفض الكلفة يكون قليل الفعالية وخطراً ايضاً، لأن هذا الدواء يدخل عن طريق التهريب، وهو دواء معدّ لبلد معين، ونشراته الداخلية مطبوعة بلغة تركية او عربية، لكنها موجهة الى المستهلك الخليجي مثلا (وهذا له علاقة بطرق التخزين وظروف المناخ)، كل هذا يدخل العراق بعد تعرضه لظروف تخزين سيئة وغير صحية، وهذا يعني عدم خضوعه لأي سيطرة نوعية، وهو منخفض الكلفة لهذه الأسباب. 
 
دواء عراقي
يقول الدكتور(س) وهو صاحب مذخر في منطقة الغدير- عندما توجهنا اليه بالتساؤلات ذاتها مع مقارنة التصنيع الدوائي العراقي وشركاته المعروفة بالأدوية المستوردة التي تملأ المذاخر والصيدليات: لا يوجد فرق بين الدواء العراقي والمستورد، فهو دواء يحتوي على مادة فعالة تصل الى نسبة 75 بالمئة وهي نسبة عالية وجيدة مقارنة بالكثير من الشركات والمناشئ العالمية الأخرى. 
واستطيع القول بأنه افضل من كثير منها، وهو كدواء متوفر بكوادر عراقية وخبراء مشهود لهم منذ أمد بعيد بالكفاءة والجودة، كما انه دواء مفحوص ويخضع للرقابة والسيطرة النوعية، لكن انفتاح السوق ومزاحمة المستورد والاجنبي والترويج التجاري من قبل الكثيرين لبضائعهم جعل الدواء العراقي منسياً او محسوباً على الدرجة الثانية والثالثة، لكن ربما هذا ليس صحيحاً، لأن ما حصل هو تصورات الناس وليس بالفعل، على سبيل المثال ما الذي نفعله اذا أصرّ المريض او احد ذويه على الدواء الأجنبي او الامتياز لمجرد انه يعتقد أن العراقي ليس بالقوة ذاتها أو الكفاءة،  نحن نتعامل مع تصورات ودعايات لكننا لا ننفي ولا نقلل من أهمية وجود الدواء من المصادر والشركات المعتمدة عالمياً والمعروفة بدقة وكفاءة تصنيعها، فهي شركات ذات أبحاث وتجارب ودراسات مطولة وموثوقة تماماً، لكن من يدري هي سوق يتوفر فيها كل الأنواع والخيارات والمواطن له حرية
الخيار. 
 
موقف المواطن محدود الدخل
نحن كأصحاب دخل محدود - يقول المواطن أبو علاء- وظروف غلاء كبير في هذه الأيام، ليس امامنا سوى المستشفيات الحكومية، لأن اجورها منخفضة او رمزية في بعض الأحيان، ونحصل فيها على الاسعافات او العلاج من صيدلية المستشفى، لكن في كثير من الأحيان لا يتوفر الدواء المطلوب في المستشفى فنضطر الى البحث عنه في الصيدليات الخاصة، وهناك اول ما يواجهنا به الصيدلاني هو: هل تريد دواء اصليا او تجاريا؟! طبعا وسط هكذا كلام نقع أولا في حيرة في ما الذي يقصده؟، ووسط خوفنا على ذوينا طبعا نفضل الأصلي لأننا لا نعرف ما هو التجاري رغم صدمتنا بالفرق بينه وبين التجاري او العراقي. 
وهنا نتذكر تصليح السيارة والحنفية والثلاجة عندما نذهب الى أي محل تصليح او صيانة ونحتاج الى تبديل قطعة او مسمار، فيقول وكيل المواد بأن لديه تجارياً واصلياً والفرق كبير بالسعر بين الصيني والياباني مثلا، أحيانا مثله مثل الدواء نرضى بالصيني لأنه «يمشي شغل» ولو لفترة لعدم قدرتنا على شراء الأصلي
والامر لله.