إمكانية الاشتباك وحدوده قراءة في أبعاد التصريحات بين فرقاء العالم

آراء 2019/03/10
...

رافد صادق 
 
منذ وصول الرئيس دونالد ترامب الى ادارة البيت الابيض والعالم يعيش حالة من اللا متوقع في السياسة الدولية ومفهوم الامن العالمي بكل ابعاد ودلالات الامن ، لم يكن متوقعا ان تخترق الشعبوية الاطر القانونية والعرفية والدستورية لبلاد مثل الولايات المتحدة الاميركية التي غالبا ما نتعاطى معها نحن الشرقيين بانها دولة مؤسسات وان زعماء البيت الابيض مجبلون على سياسات دورهم فيها انهم حلقة الوصل بين مراحلها المتعددة.
 
عكف الرئيس ترامب على تنفيذ كل ماجاء في برنامجه الانتخابي الذي لم يكن صاحب الفضل عليه بايصاله الى رئاسة الولايات المتحدة بقدر ما كان الطرف الاخر ضعيفا في خطابه وعليه الكثير من الملاحظات والمقصود هنا هيلاري المرأة التي لم يحن بعد تقبلها رئيسة لاميركا ووزيرة الخارجية التي اخفقت في ادارة الكثير من الملفات في عهد اوباما الاول ، عكف ترامب على جدولة الوعود ، خرج من اتفاقية المناخ والغى الكثير من القيود البيئية التي كانت مكبلة للكثير من المشاريع، هدد الناتو وطالب دوله بادوار اكبر واكثر فواشنطن لم تعد شرطي العالم ، اشتبك مع اوربا مطالبا اياها برعاية اكبر من الناحية المالية ودفع المزيد من الاموال مقابل الحماية من العملاق الروسي ، خرج من منظمات دولية وسحب تمويل البعض منها ، انسحب من الاتفاق النووي ونقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس واتخذ خطوات كبيرة تجاه الجدار العازل مع المكسيك ومن ميزانية وزارة الدفاع وبالطريقة التي يريدها، روض بيونغ يانغ وحلب الخليج وقدم وأخر في الاتفاقات التجارية مع الصين ،اعلن وتنكر للانسحاب الاميركي من سوريا، وغض الطرف عن مقتل خاشقجي رجل الواشنطن بوست بطريقة بشعة في قنصلية الخزانة المفتوحة امام ترامب.
كل هذا جعل العالم امام بعضه البعض ،الكل متضرر والكل مشتبك في مصلحة يراها مهددة لكن تبقى قضايا الشرق الاوسط هي اهم القضايا التي يمكن ان يشتبك فيها من دون تهاون، لكن هل فعلا يمكن الذهاب الى الاشتباك هذا ما يستبعد لاسباب عدة منها ان ترامب تاجر اخترق الزمن السياسي ويحسب خطواته بمنظار الربح والخسارة ولا يضع فلسا في موضع الا وكان المردود منه عشرة امثاله بالاضافة الى ان ترامب يعي جيدا ان لعبة اسعار النفط ليست كلها بيده بحكم ارتفاع معدلات النمو والسكان اهم العوامل الثابتة من المتغيرات السياسية اللاعبة في سلعة الذهب الاسود بالاضافة الى ان اميركا مازالت تتفحص تلك الصورة التي واجهتها عندما تدخلت في العراق وافغانستان فتخادم الجميع مع القاعدة لافشالها وادخلها الى اعمق نقاط الوحل العراقي والافغاني.تعي جيدا الولايات المتحدة الاميركية وترامب التاجر من قبل المؤسسة السياسية ان الاشتباك يعني اما ان تغرق الولايات المتحدة في حرب مفتوحة الزمان والمكان او ان تتفرج على ضربة قاضية توجه لاسرائيل في المنطقة من قبل ايران وحلفائها ،كل المعطيات تقول ان الاشتباك اذا ما حصل لن يكون كالاشتباك الذي كان على هامش الربيع العربي في سوريا او البحرين او حتى العراق ، انتهى وقت الوكالات وجاء وقت الاصالات فلا فلحت الوكالات في اليمن او سوريا ولا هي قادرة على تحمل الاشتباك بمفردها ولا اميركا قادرة على تقبل انهيار حلفائها في المنطقة لان هذا يعني فسح المجال للكثير من الدول الكبرى لملء الفراغ عندها على الولايات المتحدة الاميركية ام تقاسم هذه الدول مكانتها المحفوظة بكونها الدولة العظمى الاوحد في العالم.يضاف الى ما تقدم من اسباب هو كلفة الحرب وكلفة التكنولوجيا التي قد تستخدم فيها والارقام ليست منطقية جيدا لكنها واقعيا على سبيل المثال لا الحصر ام كلفة ساعة الطيران للقاصفة أف خمسة وثلاثين من الوقود اربعين الف دولار ، لك لن تتخيل تشكيلا من هذه القاصفات يقطع ساعات ذهابا وايابا وكلفة هذا التشكيل في حرب فيهد التوازنات جغرافية اكثر من كونها مقاسات مادية فقط.ايضا ان تهديد النظام الايراني لا يشبه اي تهديد لاي نظام خاصمته الولايات المتحدة، طهران لا تشبه بغداد قبل نيسان من العام الفين وثلاثة وواشنطن اليوم لا تشبه واشنطن ما بعد الحادي عشر من سبتمبر والعالم كله متغير وفي صور شتى.
احتاجت اميركا الى اكثر من مائة وخمسين الف جندي لاسقاط نظام صدام فكم من الممكن أن تحتاج اذا حاولت بذات الطريقة اسقاط نظام طهران؟! هذا اذا ادارت الاحداث وجهها لطبيعة النظام وطبيعة المواطن الايراني الذي يفرق جيدا بين موقفه المرحلي من نظامه الحاكم وبين موقفه الازلي من اي محاولة للاعتداء على ايران، في هذه النقطة على اميركا دائما ان تتذكر احتفالات الجالية الايرانية في اميركا من الشاهنشاهية ومن الشيوعيين الايرانيين بالاتفاق النووي الايراني.في الصين المواجهة ليست افضل منها في الشرق الاوسط فالتنين متماسك ومبادر فيما خصومه متراجعين ومتضعضعين، ترقب بكين اي منزلق اميركي لتعقد من الوحل صفقة شد اميركا الى الاسفل قدر المستطاع ويمكن ان تتطور الصفقة لتغير ماهية الوحل من الوحل الى الرمال المتحركة، مع الاخذ بالاعتبار تسلح بكين بالتكنولوجيا الحديثة المؤرقة لاميركا مثال ذلك صراع "ابل" مع العملاق الصاعد "هواوي".
روسيا مثلا تترقب الانزلاق، هي تعي تماما حقيقة اوربا الحالية، تدافع الماني فرنسي وخروج غير مدروس لبريطانيا ودول على حافة الافلاس وضبابية في اداء الناتو وتعملق لتركيا البلد الذي يملك بوابة موسكو تجاه المياه الدافئة.
كل المعطيات تشير الى وصول الجميع حد الاشتباك، لكن لا اشتباك في العهد الاول لترامب واذا جدد له لدورة ثانية فستكون دورة التسويات واذا خرج فلا يمكن انتاج نموذج قادم اسوأ من ترامب بحكم ما يعيشه الديمقراطيون والجمهوريون ومن صراع النخب التي باتت تعترف بخلل في نظام اميركا السياسي الذي اوصل 
ترامب. قد يقول قائل هناك نتنياهو وقد يعجل بالاشتباك، وافضل رد هو اعتكاف تل ابيب في الاونة الاخيرة على دراسة تكنولوجيا الصواريخ الذكية المسددة بوجهها، قصف تجمع لداعش بينه وبين الاميركان مائة متر في دير الزور كفيل بانعاش هذه الدراسة الى وقت ليس 
بالقصير!!.
افضل الحلول التي يمكن ان تحدث اتفاق امني على هامش الاتفاق النووي، عندها تنجح ايران في قطف ما ثبتت عليه وتنجح اميركا في فك شفرة اوباما عندما وصف الاتفاق بانه امني وتنجح اوربا ايضا بحكم ان قضايا الشرق الاوسط والدور الايراني فيها نقطة التقاء من بعيد بين واشنطن وبروكسل.