ارتفاع الأسعار

الصفحة الاخيرة 2021/12/29
...

حسن العاني
مع الأيام نسينا كنيته (أبو سرحان)، والكنية هي الشائعة في تخاطباتنا الرجالية والنسائية (ابو فلان أو أم فلان)، مثلما نسينا اسمه بعد أن ابتكرنا له لقباً اتفقنا عليه، ولم يغضب هو منه، كنا نناديه بمفردة او لقب (الذيب)، وأعتقد وأنا استحضر سلوكه، أن تسمية الذيب بمعنى (الذئب) تليق به، فهو شجاع حيثما اقتضت الشجاعة في الموقف والرأي والكرم، ولكن الصفة 
المقابلة لها في شخصيته، انه لا يدلي برأي قبل أن يدرسه ويتأمله طويلاً، وغالباً ما تأتي آراؤه مخالفة لآرائنا و (صادمة) في مضامينها المفاجئة على الرغم من أن معظم ما يقوله لا يخلو من سخرية مبطنة او عبارة 
مفخخة!.
مرة على ما أذكر في جلسة أسرية ضمت عدداً من الأصدقاء مع زوجاتهم، وقد انعقدت الجلسة في منزله بمناسبة العيد على الأرجح، لم يكن لدينا موضوع محدد للحديث، ولهذا سادت الحوار المفتوح اجواء الجد والضحك وانطلقت الى قضايا لا يربطها رابط، احدهم طرح مسألة الغلاء وارتفاع الاسعار، وهي قضية من السعة والتشعب بحيث لم يبق احد من الحضور الا وتفتحت قريحته على واقعة عاشها او سمعها، ومن الطبيعي جداً أن تذهب أحاديثنا مذاهب شتى، فقد – على ما اذكر – قال احدهم [إن كشفية بعض الاطباء بلغت (75) الف دينار، وبعضهم تخطى المئة الف، في حين كان المبلغ 25 الف دينار، ويتنازل حتى يصل الى 5 آلاف دينار] وسمعت من يعلق قائلاً [أمر مؤسف أن تفقد مهنة الطب جانبها الانساني]، وتحدث احد الأصدقاء عن قنينة الغاز التي تضاعف سعرها (28) مرة، فمن (250) ديناراً الى (7) آلاف دينار للقنينة الواحدة، وتصعب الاحاطة بالاحاديث كلها او استذكارها، ولكنها رصدت كل شيء، ليس ابتداء بارتفاع ايجار المنازل والدكاكين والمحال التجارية، وليس انتهاء بأسعار المواد الغذائية واجور النقل وتكاليف البناء، وليس ابتداء بأسعار الملابس والأحذية والكهربائيات واجور الدراسة في الكليات والمدارس الاهلية، وليس انتهاء برواتب كبار الموظفين وعموم الطبقة السياسية، وليس ابتداء.. وليس انتهاء.. وهكذا اتفق الجميع على ظاهرة الغلاء وارتفاع الاسعار حتى وصلت الى تكاليف الزواج وغرف النوم والمهور العالية، 
و(الذيب) يصغي من دون أن يصدر عنه رأي او تعليق، حتى اذا هدأت الأجواء تنحنح وقال [يا جماعة.. كلامكم غلط في غلط، تزعمون أن كل شيء قد ارتفع سعره بدون استثناء، وتنسون الاهم، بل هو اهم شيء في الحياة، انه الانسان فقد تراجع سعره وانخفض ثمنه بحيث لم يعد يساوي فلسين!]، وانفجر المكان بالضحك، 
حتى اذا توقف صخبنا وضجيجنا وراجعنا كلامه بموضوعية، اكتشفنا الحقيقة فانتابنا الحزن، وبكى بعضنا على نفسه!.