(المجد لله في الأعالي... وعلى الأرض السلام) وذلك نداء ورجاء نبوءة عيسى ابن مريم عليهما السلام, فما دعا هذا النبي الكريم للقتل والعدوان, وما دعا لاستعمار القوى الغاشمة الشعوب وقهرها وسلب ثرواتها وبث الكراهيَّة بين أهلها، أخذت الكلمات الأولى من هذا النشيد مما يعرف بترانيم الملائكة التي بشرت بمولد السيد المسيح في مغارة بيت لحم استنادًا الى أنجيل لوقا – المقطع 2 - 13 - 14، أما ما تبقى من النشيد فقد تم تأليفه باللغة اليونانيَّة في الكنيسة الشرقية, وكانت هناك استخدامات ليترجية (طقسية) للنشيد في بدايات الديانة المسيحيَّة.
تقول مقدمة النشيد الملائكي:
المجد لله في العلا
وعلى الأرض السلام
وفي الناس المسرة
نسبحك - نباركك
سميت هذه الترانيم أيضًا بـ(نشيد المجدلة الكبرى) وقد أدرج هذا النشيد في قداس عيد الميلاد في القرن الثاني الميلادي, وقد نُقلَ الى العربيَّة عن النص اليوناني.
ويصف أنجيل لوقا وأيقونة سيناء ميلاد السيد المسيح في مغارة بيت لحم وصفًا مؤثرًا ساحرًا، إذ تبدأ برواية نزعات الروماني هيرودس حاكم فلسطين بقتل كل طفل يولد في قرية بيت لحم خشية قيامه بالثورة عليه وقتله، وهي صورة مشابهة لمسعى فرعون مصر بقتل كل طفل يولد خشية إعلانه الثورة عليه حتى يصل مهد موسى طافيا في النهر الى بيته لتنقذه زوجته العظيمة (آسيا) من قبضته وتربيه تربية صالحة على يد مرضعة هي أمه الحقيقيَّة التي وصلت الى السيدة آسيا بمشيئة الله.
تمضي حكاية (أيقونة سيناء) بالرواية عن الحاكم وما حدث عند ولادة السيد المسيح فقد: كان التجار المجوس الثلاثة قد قدموا من بلاد فارس الى فلسطين ساعين وراء طفل صالح يولد اهتداءً بنجم في السماء يتحرك بهم إليه ساعة الولادة, وكان رعاة الحقول ينتظرون هذه الولادة المباركة أيضًا.
وصل المجوس على أحصنتهم الى بلاط هيرودس وقدموا له الهدايا وأخبروه بنيتهم فطلب منهم أنْ يخبروه إذا وجدوا الطفل المأمول ليسجد له
أيضًا.
ووعده المجوس خيرا وهم يخرجون من قصره وساحة الاحتفالات فيها التي تم عندها رقص سالومي (ابنة عشيقته هيروديا) وبيدها الطبق الفضي الذي وضع فيه رأس يوحنا المعمدان، وتلك حكاية أخرى تتداخل مع حكاية الميلاد من دون أنْ تنتمي
إليها.كان هيرودس عاشقا لزوجة أخيه فيلبس وتدعى (هيروديا) وتقول النصوص الأسطوريَّة غير المؤيدة من كثيرٍ من الباحثين لكن أنجيل متى يذكرها, إنَّ هيرودس وضع أخاه في السجن ليتفرغ لزوجته التي كانت تبادله الهوى (وهي حكاية تشبه حكاية والد الأمير ماكبث الذي قام عمه بالاتفاق مع والدته بقتله بالسم ليصعد العم العرش مع الزوجة الخائنة).
هنا تستمر الرواية بالقول إنَّ يوحنا المعمدان (وهو النبي يحيى عليه السلام) كان يعارض علنًا هذا الفساد الملكي ويسير في الشوارع معترضًا ومحرضًا الناس على الثورة.
طلبت هيروديا من هيرودس قتل يوحنا للخلاص من تحريضه لكنَّ الملك كان يخشى ثورة الناس عليه فاضطر الى قتل أخيه في السجن ليتم زواجه رسميًا من عشيقته التي اشتهرت بفسقها وتربيتها الداعرة لابنتها الجميلة سالومي (مثلت دورها في فيلم هوليودي في الخمسينيات من القرن الماضي الممثلة ريتا هيوارث في فيلم بعنوان: (سالومي) حيث رقصت ومثلت دورها قبل هذا الممثلة الكنديَّة الأصل أيفون دي كارلو في فيلم مشابه عام 1945).
وجد هيرودس في ابنة أخيه سالومي ما يغريه, وكان قد وضع يوحنا المعمدان في السجن للتخلص من جولاته التحريضيَّة ضده في الأسواق, وحدث أنْ اشتهت سالومي أنْ ترى يوحنا (وهو النبي يحيى بن زكريا الذي ولد من أم عجوز هي السيدة أيشاع بنت عمران وتسمى اليصابات أيضًا وهي أخت السيدة مريم الأكبر وزوجها النبي زكريا الذي غزاه شيب الشيخوخة وقد بشره ملائكة الرب حسب الرواية القرآنية بغلام اسمه يحيى) الذي تميز بجمال خارق, فذهبت الى السجن لتراه وتغريه, لكنه واجهها بقوة المؤمن النبي وطردها لاعنًا فجورها وأمها وعشيقها
الحاكم.
خرجت سالومي من السجن غاضبة وقد تجمعت عندها أوجاع الشهوة وحقد الانتقام, وكان أنْ أقام الحاكم حفلًا كبيرًا لتسلية سالومي وأمها.
في الحفل دعا الحاكم سالومي الى الرقص شبه عارية مع الأخريات لكنها رفضت الدعوة مرتين وفي الثالثة قالت لهيرودس إنها تريد رأس يوحنا على طبق أمامها
الآن.
كانت سالومي قد طلبت لمرتين قتل يوحنا بتأييد من والدتها التي كانت ترغب بالتخلص منه كما تخلصت من زوجها، وكان هيرودس يمتنع عن التنفيذ، لإيمانه بتأثير هذا النبي الصالح (وهو يحيى) على بيت لحم وأهلها لكنَّ الخمرة شاركت شهوة الفسق هنا في ذلك الحفل الداعر فأمر بتنفيذ رغبة سالومي حيث قتل يوحنا في سجنه ووضعوا رأسه على طبق فضي وأتوا به الى سالومي التي قامت واحتضنت الطبق راقصة وهي تقبل شفتي النبي الشهيد الجميل المدمى في مشهد حقدٍ وهوى وتشفٍ ورغبة مجنونة تجمع الشهوة مع الانتقام الذي نفذ بحق إنسان دفع حياته ثمنًا لقيمه
العليا.
حققت سالومي مرادها الدموي وحقق هيرودس ما تمنى وسط غضب عشيقته هيروديا لكنَّ ما أراده هذا الحاكم الدموي من رغبة أخرى بقتل طفل المغارة لم
يتحقق.
كان نجم السماء الفضي يسير ليلًا ويشاهده الرعاة والمجوس الثلاثة حتى توقف النجم فوق المغارة التي ولد فيها المسيح عليه السلام, وعندما وصل المجوس الثلاثة الى مكان المغارة بقيادة نجم السماء سجدوا للطفل وقدموا هداياهم المكونة من الذهب واللبان وعادوا الى ديارهم من طريق آخر من دون أنْ يمروا بهيرودس وبذلك لم يعلم الحاكم الدموي بميلاد هدية السماء الى والدته السيدة مريم وتحقق حلم البشريَّة الذي احتفينا به في 25 كانون الأول على أقرب التواريخ حيث يحتفل العالم اليوم بمولده المبارك وبدء سنة ميلاديَّة جديدة.