«لوغو» استوديو بغداد الفريد

الصفحة الاخيرة 2022/01/03
...

علي حمود الحسن
 

لم يذهب تعبنا عبثاً، ففي ظهيرة يوم لاهب من أيام آب، الذي لا أمل في أن يفتح «للشتاء باب»، لفرط حرارته دعاني صديقي المصور والموثق الفوتوغرافي كفاح الأمين، لمرافقته الى الميدان «روح العراق الحية» على الرغم من خرابه وتهالك مبانيه، لشراء حقيبة تضم وثائق وأوراق قضايا ومرافعات محامٍ مسيحي عراقي شهير، عاش في ثلاثينيات واربعينيات القرن الماضي وما تلاها، اخذنا كنزنا الثمين ونحن نمني النفس بالعثور على ما نريد، وكان فضولي كبيراً في أن أجد وثيقة، او صورة تخص السينما العراقية، وصلنا بيت كاردو، وهذا هو اللقب المحبب لصاحب كتاب «يوميات بغدادية»، فنالنا من  كرم هذا البيت العريق الكثير، بعدها انهمكنا في البحث والتنقيب في الحقيبة القديمة التي « فرهدها» الزمن وعبث بمغاليقها، وكنت أترقب في كل لحظة العثور على أي شيء يخص صناعة الأفلام من دون جدوى، بينما راح كاردو يفرز ويحقق ويبوب ما يفيد، وبعد أن أنهينا تدقيق معظم محتويات الحقيبة، كان المساء قد اقبل، واخذ منا التعب مأخذاً، ولم يتبق الا القليل، فتبدد الأمل في العثور على ما اريد، ومثلما صاح اقليدس يوماً ما وجدتها، ردد كاردو بفرح « لوغو استوديو بغداد» بين يديك، فتلاقفت يداي أوراقاً رقيقة جداً، كلماتها مكتوبة بآلة طابعة ويتوسطها « لوغو شركة استوديو بغداد للأفلام والسينما المحدودة»، فما إن تأملتها حتى ذهب التعب وابتلت العروق، فتخيلت فيلماً من انتاج شركة بغداد، يفتتح بلقطة زوم للثور المجنح وقد أحاطه قوس علوي خط عليه اسم الشركة باللغة العربية، وآخر سفلي مستقيم مكتوب باللغة الانكليزية، فما أصل حكاية هذا الملف الثمين ومضمون أوراقه؟، تضمنت هذه الأوراق مرافعة المحامي، الذي كلفته شركة استوديو بغداد باستئناف قضية خسرتها الشركة، بعد أن رفض مجلس الوزراء، طلب اعفاء جمركي لمواد سينمائية تخص تأثيث استوديو بغداد، كانت قد تقدمت به الشركة الى المجلس، اسوة بحافظ القاضي  رجل الأعمال الذي استورد عدداً ومكائن، تخص صناعة الأفلام وحصل على الاعفاء، وللأسف لم يحصلوا على ذلك، لكن أسرة سودائي شيدت الاستوديو، وأثثته بكل ما تحتاجه صناعة السينما، فانتج فيلمه الأول الناجح «عليا وعصام» في العام 1948، واردفه بفيلمين، لكنهما لم يحققا ما حققه «عليا وعصام»، وانتهى الاستوديو نهاية تراجيدية، اذ سربت احدى الصحف المصرية، أن الاستوديو مقر للتجسس على معسكر الرشيد القريب من موقعه (موقع مجمع مشن حاليا)، يومذاك كانت الحملة ضد يهود العراق قد تصاعدت بفعل الصهيونية ولعبة الأمم، ما جعل أصحابه يستعجلون ببيعه، فخسرت السينما العراقية فرصة ذهبية لنموها وتطورها، والمفارقة إن هذا الاستوديو شهد تحميض معظم الأفلام العراقية لاحقا، بعد أن اشترى احد الحرفيين الأرمن ويدعى هاماز مكائن ومعدات المختبرات.