آخر {لايك} في نعش نهاية التاريخ

الصفحة الاخيرة 2022/01/11
...

علي حمود الحسن
أثار فيلم "لا تنظر إلى الأعلى" (2021) للمخرج الأميركي المشاكس آدم مكاي، جدلاً ولغطاً واسعين، بين متحمس مبهور، وساخط وصفه بالتافه والسطحي، هذا الجدال الذي ما زال أواره مستعرا حتى اللحظة، من وجهة نظري علامة نجاح للفيلم، ودلالة على حيوية محتواه، وهذا ما يسعى اليه مكاي، ليس في فيلمه هذا حسب، إنما في مجمل أعماله، التي تجاوزت الـ(27 ) عملاً، شارك فيها مخرجاً ومنتجاً وكاتباً وممثلاً، وإن كان قد ضاعف الجرعة في " لا تنظر الى الأعلى"، فهوغالبا ما يوظف الكوميديا السوداء إسلوبا، لنقد الرأسمالية المتوحشة وتمظهراتها في السياسة والثقافة والاقتصاد، من خلال اختيار مواضيع حساسة تخص حاضر ومستقبل الفرد الاميركي، الذي يخضع لأزمات الرأسمالية التي تجدد نفسها باستمرار، وإن كان ثمن ذلك انسحاق الانسان وتدمير سلامة كوكبنا الأرضي. 
حشد المخرج الذي تشارك مع الصحفي والكاتب ديفيد سيروتا، عددا كبيرا من النجوم، على شاكلة: ميريل ستريب، وليناردو دي كابريو، وجنفير لورنس، وكيت بلانشيت، فضلا عن مارك رايلانس وغيرهم، وكل هذا العدد - معظمهم يتوافقون مع رؤية المخرج - شكل السيناريو شخصياتهم بطريقة كاريكاتيرية مضخمة، وربما مغتربة بمفهومية بريخت، فستريب بدت بدور الرئيس الاميركي شخصية افتراضية، فهي أقرب الى الدمية يتلاعب بها بيتر( جسده باقتدار مارك رايلانس) رجل الأعمال الرهيب العارف بكل شيء حتى تفاصيل موت الانسان، بملامح وجهه الجامدة، التي هي أقرب الى الانسان الآلي، والذي يستثمر أمواله في التقانة الفائقة والذكاء الاصطناعي والهواتف النقالة، بينما أدى دي كابريو شخصية دكتور راندل مندل عالم الفلك المتواضع، والعصابي بعض الشيء، الذي حاول بكل ما يملك أن ينقذ الانسانية من دون جدوى، فاختار أن يكون مع أسرته واصدقائه القريبين ليكون عشاءهم الاخير، وقدمت جنيفر لورنس دورا ناضجا ومؤثرا، اذ أدت دور كيت ديبيسكي طالبة العلم، التي تعي مخاطر وصول المذنب الى الأرض، وتحاول إيصال رسالتها بنهاية كوكبنا الارضي الى السياسيين والإعلاميين والمواطنين الغارقين في جنات الميديا الرقمية، وان كان صراخا يصل حيانا حد الهستيرية، بينما لعبت كيت بلانشيت دور الاعلامية الشهيرة، التي تروّج لحلم الرفاه والسلم الأميركي، ولا تهتم لصرخات كيت او دكتور مندل الذي تعاشره بعد أن وقع في حبائل السلطة، وكم كانت موفقة مع زميلها مقدم البرامج تايلر بيري(جاك بريم) في تقديم تفاهة وابتذال الماكنة الإعلامية، فضلا عن الانتقادات التي وجهت للممثل جونا هيل في دور ابن سيدة اميركا الأولى ورئيس أركانها الغبي والصلف، إلا أنه قدم أداءً مقنعاً للشخصية المرسومة.
بالرغم من قتامة وسوداوية بل رعب أحداث الفيلم، الا أن السخريّة المرّة خففت كثيرا من وطأتها، فمثلا حينما تهرب الرئيسة على سفينة نجاة بيتر، تتذكر أنها نسيت ابنها، او حينما تحط مركبة الفضاء بالناجين الذين هبطوا على الكوكب المجهول عراة، يتفاجؤون بمخلوق جميل غريب الشكل تلاطفه الرئيسة بطريقة استعراضية فيلتهمها وسط ذهول الجميع، اختتم آدم اكاي فيلمه بمشهد يكاد لا ينسى، اذ نرى خروج ابن الرئيسة ناجيا من بين أنقاض قيامة الأرض، متأبطاً حقيبته الرسمية وهاتفه النقال، ولأنه الناجي الوحيد يجد من المناسب أن يبث قصته على الانستا!.
 رسم السيناريو شخصيات الفيلم وأحداثه بطريقة ساخرة ومبالغ فيها، ويمكن اسقاطها على الكثير من الوقائع والشخصيات السياسية والثقافية والعسكرية الراهنة، ليطلق صرخة، ربما هي جرس انذار لكوكبنا الأرضي، الذي حولته النيولبرالية المتوحشة الى محض مكب لنفايات مصانعها السامة، بينما مسخت العقل البشري بفيوضها الاستهلاكية، لتقربنا من نهاية التاريخ، التي لم تعد بعيدة على اية حال.