{مربع برمودا} والنحت بلا خجل

الصفحة الاخيرة 2022/01/11
...

  صفاء الليثي* 
بدأت إجازة منتصف العام في مصر ومعها موسم لأفلام تناسب الأسرة، تقبل الأسر غالبا على الأفلام الكوميدية، في سينما الحي القريبة من منزلي دار عرض بأربع شاشات، لم أتمكن من اختيار الفيلم الذي أردته، فالفيلم الذي سيعرض في حفل ما بعد الظهيرة، الذي اخترته سبقني اليه زوجان وطفلاهما الصغيران، يبدو أن أصحاب السينما يغضون الطرف عن وجود الأطفال، على الرغم من وجود لافتة زائد 16 على الأفيش،
 قال موظف السينما، هذا هو الفيلم الذي سيعرض الآن، "مربع برمودا " بداية من الاسم المحرف لمثلث برمودا وتصدر نجم مسرح مصر الممثل الكوميدي مصطفى خاطر، أدركت ما ينتظرني في هذا المربع الذي يكمله المخضرم عمرو عبد الجليل وفاتنتان، "مزتان" بالعامية المصرية، روجينا وهنا شيحة ، لا توجد بالفيلم مشاهد ساخنة ولا حتى قبلات، فقط ألفاظ موحية بمعانٍ جنسية لا يدركها الأطفال، يكتم الأب ضحكاته والزوجة معه، ولكنها تجلجل حين يتلاعب عمرو عبد الجليل بالألفاظ، اذ يبدل الشائع في الأمثال والحكم الشعبية، وهذه تكاد تكون حيلته الوحيدة لإثارة الضحك، يقول مثلا :" انت كده في حتة تاسعة، بدلا من حتة تانية"، أتصور أنه من يقوم بتأليف هذه "اللزمات" على طريقة الارتجال في المسرح التجاري. هو البطل الحقيقي للعمل، ولكن ضرورات التوزيع فرضت وجود الشاب الأكثر وسامة وأن يفتتح الفيلم به، وجيه رسام كوميكس لبرنامج لطيف يشرح اسمه، أحمد وظريف، على أسلوب التلاعب اللفظي نفسه لعبد الجليل، المعلم حبشي الذي تدلعه زوجته وتناديه، بألفاظ على شاكلة "زعامة"، و"حبشتينو"، ثمة تلاعب آخر على لسان نوال، التي اختارت أن تكون زوجته بعقد عرفي، يكتب الذكور الأفلام ساخرين من النساء وتحولاتهم التي يرصدونها، الوضع المقلوب عن الشائع، هو يريد أن يعقد عليها رسميا وهي تفضل وضع الزواج العرفي. باستثناء هذا الحفل سيحضر جمهور لا بأس به عروض منتشرة في أغلب المدن المصرية، وسيخرجون بحصيلة من اللزمات، وتنتشر كلمة "زعامة"، و"حبشتينو"، ويتجدد الجدل حول أيهما أسبق؟ الألفاظ الغريبة من حوار الأفلام، أم أن العامية المتجددة في الشارع هي المصدر الذي يستقي منه كاتب الحوار كلماته ولزماته.
 وباعتقادي إن مصطفى خاطر يناسبه دور الشاب الظريف المرتبك، الذي يتورط دائما في المشكلات، ويستعين المؤلف بلفظ برمودا المرتبط بالمثلث، الذي يوحي بالخطر لصياغة فيلم كوميدي يعتمد الحركة، وهو النوع المفضل لدى الجماهير، فنراه يجري تعديلاً ليصبحَ مربعاً يناسب بطولة رباعية لرجلين وامرأتين، ويتم الحديث عن مربع عند ولادة الطفل وجيه الذي ارتبط مصيره بحبشي والفتاتين تيتي وشيري ليكونوا مربعا تجمعه فكرة التخاطر عن بعد(التلباثي)، والطريف إن الفكرة العلميّة، قد تمَّ العبث بها على طريقتنا وترتبط بالشعوذة من خلال العمل السفلي، فمن المعلوم إن فكرة الأعمال راسخة في الوجدان الشعبي يؤمن بها قطاع عريض من الناس، غالبا ما تستخدم في أفلامنا كأحد مثيرات الضحك منذ اسماعيل يس ومن قبله، وها هي ممتدة في فيلم لمجموعة من الشباب يؤسفني أن أعترف أنني أسمع عنهم كصانعي أفلام للمرة الأولى. المخرج طارق رفعت، والمؤلف هشام هلال والمنتج عاطف كامل.
أثناء العرض تصرخ الزوجة خلفي، العمل اتفك، وأشكرها على شرحها الذي أفادني بمعرفة سر تحول شيري من الإعجاب المهووس بحبشي إلى تجاهله التام وتركها المكان، بعد أن اصطدمت به أمام دورات المياه، كمن يبدو أنها لا تعرفه، تكمل سيرها وتترك المجموعة. في مشهد منفذ بشكل جيد ويشرح الموقف كله. يجد حبشي نفسه مع نوال التي تحبه وتوده فيقرر أن يتزوجها رسميا الليلة.
يبدأ الفيلم عصريا وجادا، في "بريزنتيشن"، اجتماع عمل لعرض فكرة فنية، من مصمم أفكار الإعلانات الناجحة مصطفى خاطر، كمشهد يقدم الشخصية الرئيس وقد اختاروا له اسم وجيه، وجعلوا شعره ينسدل على جبهته وألبسوه نظارة. حتى يمكن اعتباره فتى الشاشة الأول، يقاسمه البطولة عمرو عبد الجليل في مشهد آخر لتقديم حبشي مع العصابة وزعيمها اللبناني، البطولة جماعية كحل لتحقيق ايرادات ترضي المنتج فلا يوجد بالفيلم نجم شباك يتحمل وحده مسؤولية فيلم، لا يوجد كوميديان كبيران ولا فاتنة، لا فؤاد المهندس وشويكار، لا حسن يوسف وسعاد حسني، ولا ثلاثي أضواء المسرح. هناك محمد ثروت، ومحمد جمعة والوجه الجديد يوسف الفنجري، وهم مع الأبطال الأربعة تتوزع بينهم البطولة في عمل منحوت من عدة أفلام قديمة أو حديثة، إفلاس الكتابة واضح مع اقتباس فكرة فيلم "أوشن ثمانية" لنجمات السينما الأميركية ساندر ابولوك، وكيت بلانشيت، وسارة بولسون، وريهانا، وأوكوافينا، وتكون حادثة سرقة التاج الملكي واستبداله بنسخ مزورة هي عصب النصف الثاني من الفيلم. في أوساط الصناعة يتحدثون عن المرجعية، يفضل المنتج والمخرج وجودها ضمانا للنجاح، ولا ضير أن يكتشف المشاهد العادي قبل الناقد سرقة الفكرة، بل تزداد الضحكات ويتأكد أن السينما المصرية المعاصرة نحت من أفلام مصرية وأميركية، أحيانا من أفلام الأبيض وأسود وحتى من الأفلام الهندية. نحت بلا خجل بعيد تماما عن تعريف السينما الحقيقية التي هي نحت في الزمن.
 
 *مونتيرة وناقدة سينمائيَّة مصريَّة