الاستسهال الإعلامي

الرياضة 2022/01/19
...

علي النعيمي 
الاستسهال وما أدراك ما الاستسهال؟.. تلك الصفة التي باتت مرادفة لجميع سلوكياتنا في الحياة.. والأنكى أنَّ هذا المصطلح قد زحف بقوّة ليُهيمن على أهمِّ مفصل من مفاصل الإعلام الرياضي، فأعظم المواضيع والأحداث تسلق سلقاً روتينياً وتقدّم للمشاهد في قالب واحد مستنسخ ومتوارث، وأنَّ الفارق الوحيد في زحمة هذه البرامج وصخبها يكمن في مدى مقبولية وكاريزما هذا الإعلامي أو ذاك لدى المتلقي وأسلوبه المميز في الطرح.
الاستسهال يعني أنه يمكن لأيِّ محطة فضائية في يوم واحد أن تُطلق برنامجاً رياضياً لمدّة ساعة كاملة لا يزيد طاقمه على ثلاثة أشخاص (مقدم ومعد) ومراسل يصوّر الأحداث أحياناً بهاتفه النقال، بعد أن اعتاد المشاهد البسيط على استقبال المتابعات اليومية فقط، وأنَّ الجميع بدأ يتابع العديد من المتغيرات والأخبار قبل مواعيد تلك البرامج عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
بل إنَّ أكبر قضية تشغل ذهن المتلقي الرياضي على غرار ( قضية المدرب الأجنبي وملابسات استبداله، وفرضية التدخل في تشكيل المنتخب الوطني، وقضايا التلاعب بأوراق اللاعبين الرسمية، وسطوة البعض من المشجعين على الهيئات الإدارية للأندية والتحكم بمصير المدربين في الدوري) يمكن اختزالها بتقرير مقتضب من قلب الحدث وضيف جالس في الاستوديو أو في بيته بواسطة تطبيق (السكايب)، فلا يُعقل أن تتمَّ استضافة مدرب فني يتكلم ويُعطي رأيه في أمور قانونية وقضايا مالية ويجتهد بالرؤى بشأن هيكلة لوائح النظام الأساسي لاتحاد الكرة فقط لأنه مشهور أو شخصية جدلية، وهناك من يقفز بذات البدلة من فضائية إلى أخرى!.
 مصيبتنا أنَّ السواد الأعظم من الذين يقدمون البرامج الرياضية هم (خريجو إعلام) ولديهم خلفيات أكاديمية عن العمل التلفازي بأنواعه ويعلمون جيداً أنَّ عليهم أن يتحلوا بروح البحث والتنقيب والحيادية مع براعة عرض الحقائق بقالب قصصي شيق، لكن السؤال المطروح هنا: هل يملكون الجرأة لكي يعترفوا أمامنا بأنهم لا يملكون تلك الأدوات؟ أو غير قادرين على تنفيذها بسبب الاستسهال بخلاف ما يعرض الإعلام الرياضي (العربي)؟
صدقاً نتساءل، متى نرى التحقيق التلفازي الرياضي المحبوك بأبعاده وتفصيلاته في برامجنا المحلية حيال قضية ما تجمع الخبر والحوار والرأي المعاكس والاستقصاء معاً وبرؤية ونبتعد قليلاً عن اجترار المشكلات الشائعة والتعمق أكثر بالتحليل العملي من وحي الوقائع من أجل تقديم الحلول أيضاً لأصحاب العلاقة، أين هي الوقفات الوثائقية التي تقترب من التوثيق التاريخي المتزامن مع بطولة كأس العالم أو الألعاب الآسيوية أو أي حدث آخر يذكرنا بنجومنا الذين فقدناهم أمثال أحمد راضي وناظم شاكر وعلي هادي وكريم سلمان وووو؟
 مع ذلك نقولها من القلب تحية إلى الإخوة الإعلاميين المبدعين الذين لا يزالون يقدمون كلَّ ما لديهم من مواضيع بكفاءة عالية وحضور كبير لكننا نطالبهم بالمزيد من الطروحات المتجددة بعيداً عن الاستسهال الإعلامي الرياضي.