نماذج مُزيَّفَة

آراء 2022/01/29
...

 رعد اطياف
 
السيمولاكر هو الصورة المشوهة مقابل الأصل. إنها لا تمثل النموذج الأصلي. وبصرف النظر عن المدلولات الأخرى التي يحملها هذا المفهوم، يبقى مدلوله البارز هو النسخة المزيفة التي لا تمثل نموذجها الأصل. فهي الصورة الباهتة، والمشوّهة، والدلالة المزيفة، التي لا تشير إلى مدلولها. فثمة تنافر كبير من هذه الناحية بين الدال والمدلول. ويمكننا أن نستلهم من هذا المفهوم معاني عدّة. فعلى سبيل المثال، أن الشخص الذي لا يعكس شخصيته الحقيقة، ويقفز من شخصية إلى أخرى إرضاءِ منه للآخرين أو لأنه يعاني من مرض الفصام.
لا توجد مادّة تحليلية خصبة وعجيبة كالتي أتاحتها لنا مواقع التواصل الاجتماعي؛ فقد أعلنت النفس البشرية نفيراً عاماً وتحررت الأهواء البشرية، من خلال هذه المواقع، بشكل غير مسبوق. ولا أعني أن الكائن البشري كان حمامة سلام في ما سبق ثم سقط لاحقاً في عتمة الأهواء البشرية المظلمة. بل أعني ثمة فسحة هائلة فتحت أبوابها مشرّعة أمام هذا المد المتسارع من النسخ المشوهة، حتى أننا لم نعد نفرق بين الناس، من هي شخصياتهم الحقيقية وأي نسخة نعتمدها في حواراتنا: النسخة الفيسبوكية المحتقنة بالسموم النفسية، أم ذلك الشخص الوديع الطيب الذي نصادفه في الواقع ولا نكاد نسمع له صوت؟   المهم في الأمر، في مواقع التواصل الاجتماعي يختفي النموذج الأصل مستعيضاً بصورة مزيفة لا تعكس أصلها، أو ربما العكس!؛ فاللقاء مع النماذج الحقيقية خارج قبضة الحاسوب، يكشف لنا حالة الاغتراب بين النموذج والصورة!، تلك الصورة التي تحيل العالم - في الفيسبوك طبعاً - إلى ثورة مجيدة ونقد عميق، وراهنية تأبى النكوص للماضي، لكنها صورة على أي حال!، صورة لا تعكس نموذج مدعيها تماماً. تلك المسافة بين الواقع والميديا ، فراغ مملوء بالعدم، مملوء ببطانة هشّة، سرعان ما تذبل في نهاية يوم فيس بوكي «عظيم» ومملوء بالزيف.
لكن ربما يكون الشخص الذي ينشط في مواقع التواصل، هذا الشخص المتنمّر، والفضائحي، والمسكون بشبح التسقيط، وغيرها من الأمراض البشرية، أقول ربما يمارس شخصيته الحقيقية!. بمعنى أضحى الأمر مقلوبًا؛ ليس الشخصية الفيسبوكية هي الشخصية المزيفة «السيمولاكر»، وإنما الشخصية الواقعية التي نلتقي بها مباشرة هي الشخصية المزيفة. وهذا المتنمر «الرقمي» ذو الشخصية الحقيقة، وجد فسحة واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي ليخترق جدار الإكراهات الاجتماعية ويعبّر عن إصالته المحضة!.
وأيّاً كان الأمر فلمواقع التواصل مزيّة نشكرها عليها، وهي الكشف المبكر عن هذا الحد الفاصل بين الحقيقي والمزيّف.