لماذا تسللت حرب اليمن الى أرض الإمارات؟

آراء 2022/01/30
...

 ترجمة: أنيس الصفار
في تصعيدٍ مهمٍ لأحد أطول الصراعات امتداداً في العالم شن المقاتلون اليمنيون في الفترة الأخيرة هجومين بالصواريخ والطائرات المسيرة على دولة الإمارات العربية المتحدة. تبرز هذه الهجمات كيف يمكن لحرب بقيت رحاها تدور دورتها البطيئة الطاحنة لأكثر من سبع سنوات في ركنٍ بعيدٍ من شبه الجزيرة العربية أنْ يستعر أوارها ليتحول الى خطرٍ إقليمي. إحدى هجمات الأسبوع الماضي استهدفت قاعدة عسكريّة تؤوي قواتٍ أميركيَّة وبريطانيَّة.
 
هذا الصراع أدى حتى الآن الى سقوط عشرات الألوف من المدنيين والمقاتلين في اليمن، كما أوجد أزمة إنسانيّة امتدتْ لسنوات في أفقر بلدان العالم العربي.
في هذه الحرب تقف الحكومة المعترف بها دولياً، والمدعومة من قبل تحالف يضم السعوديَّة والإمارات، بمواجهة المحاربين الحوثيين الذين يحظون بدعمٍ إيراني.
ابتدأت الحرب في أيلول 2014 عندما سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء ومعظم الأجزاء الشماليَّة من اليمن.
بعد ذلك دخل التحالف الحرب في آذار 2015، مدعوماً من أميركا في ذلك الحين، لدعم حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي تتمسك قواته وبعض المليشيات المتفرقة المتحالفة معها بالمناطق الجنوبيَّة.
 
في ما يلي نظرة الى أحدث التطورات:
لماذا تصاعدت الحرب؟
يلقي الحوثيون باللوم على الإماراتيين في ما لحق بهم من خسائر ميدانية كبيرة مؤخراً داخل اليمن، خسائر أنهت من الناحية الفعلية مساعيهم لإكمال السيطرة على شمال اليمن.
يسعى الحوثيون أساساً الى الانتقام عقب تعثر هجومهم الذي كان يستهدف السيطرة على مدينة مأرب الحساسة وسط اليمن.
شن الحوثيون هذا الهجوم في السنة الماضية وبدا في بعض الاحيان كأنه سينجح في انتزاع المدينة من قبضة الحكومة.
لو حدث ذلك بالفعل لأصبحت ثروات المحافظة في أيدي الحوثيين كما كانت ستعطيهم ذراعاً أقوى في أية مفاوضات للسلام مستقبلاً.
رغم الخسائر الكبيرة التي أوقعتها بينهم ضربات التحالف الجوية تمكن الحوثيون من الوصول الى مشارف المدينة، عندئذ صعد التحالف دعمه البري للقوات المدافعة.
بيد أنَّ الموجة لم تنقلب حقاً إلا عندما نجحت القوات المدعومة إماراتياً، المسماة “لواء العمالقة”، في تحقيق تقدمٍ منسقٍ في محافظة شبوة الجنوبية خلال هذا الشهر، إذ أفلحوا في دفع الحوثيين الى التقهقر واستعادة شبوة ومن بعد ذلك قطع خطوط إمدادات الحوثيين الرئيسة في محافظة مأرب، ولا يزال تقدمهم مستمراً داخل المحافظة.
حال هذا التصعيد دون وقوع مأرب في أيدي الحوثيين ولكنه تطلب شيئاً من إعادة الترتيب السياسي داخل التحالف، كما يقول “بيتر سالزبري” الخبير في شؤون اليمن من “مجموعة الأزمة الدوليَّة”.
يقول سالزبري إنَّ السعوديين سمحوا بتعزيز مكانة القوات المدعومة إماراتياً مقابل الحط من حلفاء هادي الذين يكنون للإمارات عداء قديماً.
 
رد فعل الحوثيين
ردَّ الحوثيون بإطلاق صواريخ بالستية وطائرات مسيرة محملة بالمتفجرات على السعوديَّة في بادئ الأمر لكنهم أعادوا الكرّة الآن على الإمارات العربيَّة.
ففي يوم الاثنين الماضي صرحت القوات الإماراتية والأميركيَّة بأنها اعترضت صاروخين بالستيين في سماء أبو ظبي، أما الحوثيون فقد قالوا إنهم من جانبهم استهدفوا قاعدة الظفرة الجويَّة التي تؤوي قواتٍ أميركيَّة وبريطانيَّة.
في الأسبوع الماضي ادعى الحوثيون أنهم نفذوا هجوماً آخر على ابو ظبي استهدف المطار ومستودعاً للوقود، وقد أسفرت تلك الضربة عن مقتل ثلاثة أشخاص وجرح ستة آخرين.
هذه الهجمات تمثل تهديداً لسمعة الإمارات القائمة على أساس بيئة مرحبة بالأعمال متوجهة صوب السياحة.
في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر استولى الحوثيون ايضاً على سفينة إماراتيَّة في البحر الأحمر قبالة ساحل الحديدة، وهو ميناء يسيطر عليه المقاتلون طالما دارت المعارك حوله بين الجانبين.
ادعى الحوثيون أنَّ السفينة كانت محملة بالأسلحة في حين ادعى التحالف أنها تحمل معدات طبيَّة من مستشفى سعودي يجري تفكيكه في جزيرة سوقطرة اليمنيَّة.
هدَّدَ التحالف بمهاجمة الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون ما لم يطلق سراح السفينة.
كذلك أطلق المقاتلون الحوثيون صواريخ وطائرات مسيرة على المناطق اليمنيَّة الواقعة تحت سيطرة الحكومة ولكنها غالباً ما كانت تسقط على منشآت مدنيَّة.
في ردٍ انتقامي على ذلك كما يبدو شن التحالف غارات جويَّة مكثفة على صنعاء ومناطق أخرى تحت سيطرة الحوثيين.
أدت تلك الضربات الى مقتل عشرات المدنيين كان بينهم أكثر من 80 شخصاً في مركزٍ للاحتجاز يقع شمال محافظة صعدة.
كذلك أدت ضربة جوية أخرى للتحالف على مبنى للاتصالات الى توقف خدمة الانترنت عن اليمن لمدة أيام قبل أنْ تعود للعمل في وقت مبكر من يوم الثلاثاء.
يقول ريمان الحمداني، وهو زميل زائر في “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” إنّ الحوثيين يحاولون استدراج الإمارات وإعادتها الى الصراع الذي كانت تحاول تخليص نفسها من تشابكاته.
يضيف الحمداني أنّ القتال يصلحُ مثالاً معبراً عن انعدام النية على التوافق لدى جميع الأطراف.
 
مساعي سلام معطلة
هذا التصعيد من الجانبين استقطب شجب القوى الغربية التي كلّت عن محاولات التوسط لعقد سلام في اليمن، ومعظم هذا الإحباط الآن منصبٌّ على الحوثيين كما يبدو.. فإدارة الرئيس الأميركي “جو بايدن” تدرس حالياً فكرة نقض قرارها الذي اتخذته في السنة الماضية برفع الحوثيين من قائمة الإرهاب.
قرار الرفع المذكور، وكذلك إنهاء الدعم الأميركي للتحالف رسمياً، كان الهدف منهما تهدئة التوترات على أمل توفير قوة دعم لمساعي السلام والتصدي للاحتياجات الإنسانية، بيد أنَّ المسؤولين اليمنيين والسعوديين معاً يؤكدون أنَّ الإجراءات الأميركية لم تزد الحوثيين إلا جرأة.
فشلت جميع تحركات الولايات المتحدة والأمم المتحدة في جمع الطرفين على طاولة المفاوضات عندما كان الحوثيون يضغطون في هجومهم على مأرب.
ففي تموز الماضي قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية “نيد برايس” إنَّ إدارة بايدن قد “ضاقت ذرعاً” بالحوثيين.
اتخذ الحوثيون خطاً متشدداً على جبهات أخرى ايضاً، فهم لم يسمحوا لمبعوث الأمم المتحدة الخاص باليمن “هانز غراندبرغ” بالزيارة منذ تعيينه في شهر آب، كما استولوا على السفارة الأميركية في صنعاء، المغلقة حالياً، واحتجزوا عشرات الموظفين المحليين.
احتجز الحوثيون ايضاً اثنين من كوادر الأمم المتحدة يعملان في مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومنظمة 
اليونسكو.
يطرح البعض فكرة مفادها أنَّ إيران ربما كان لها دورٌ في التصعيد الذي يقوم به حلفاؤها الحوثيون، لكنًّ الحمداني لا يولي الفكرة مصداقيَّة تذكر، أي أنَّ إيران هي التي تتحكم بتحريك الخيوط.
يقول إنَّ الحوثيين ربما يكونون مدينين لإيران بسبب دعمها إياهم ولكنَّ إيران لا تأمرهم بفعل شيء فينفذونه، وهذا لا يحدث إلا عندما يكون الأمر مناسباً للطرفين، على حد تعبيره.
 
صحيفة الاندبندنت نقلاً عن 
وكالة أسوشيتد بريس