جوهر النزاع السياسي الراهن في العراق

آراء 2022/01/31
...

 ابراهيم العبادي
اعتاد العراقيون بعد كل انتخابات، التعايش مع ألعاب سياسية خطيرة قبل أن تولد حكوماتهم العتيدة، يجرب الساسة العراقيون أنواعا من التفاوض المباشر وغير المباشر، يلجؤون الى الرأي العام بأفكار تعكس أهدافهم ومشاريعهم القريبة، يخاطبون الجمهور برسائل سياسية، لكن اخطر الرسائل ما كان مصحوبا بجرعة تهديد عالية وتمارين صاروخية مسلحة، سرعان ما يتم نسبتها الى طرف ثالث معجب دائما بـ(خلط الاوراق)
فيصبح تتبع هذا الطرف من مسؤولية الاجهزة المخابراتية والامنية لكشفه وتبديد سوء الفهم.
منذ أول حكومة دائمة تشكلت بعد حكومة اياد علاوي الانتقالية كان الشيعة (الاخ الاكبر) يتعلمون اساليب جديدة في العمل السياسي الديمقراطي، من بينها اللجوء الى التصويت الداخلي لحسم مرشح الكتلة الاكبر لرئاسة الوزراء، كان الاختلاف حينها على شخص رئيس الوزراء، انتماؤه، مواصفاته، ميوله واتجاهاته، جرى ذلك بين مرشح حزب الدعوة الاسلامية ومرشح المجلس الاعلى، ثم تتالت طرق حسم المرشح عبر وسائل اخرى من بينها الاستعانة بنصيحة المرجعية العليا، ثم بلغ (النضج) اعلى مساراته عندما تشكلت حكومة القوى الصاعدة الى عالم السياسة عام 2018، يومها لم يتحدث أحد عن توافق ضمني غير مباشر بين طهران وواشنطن، بلغ قيل ان اميركا خسرت اللعبة على طريقة كرة القدم بنتيجة 3- 0، اطلق هذا الكلام دبلوماسي مخضرم في ذروة ضغط الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب على ايران بعد الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي.
اليوم يعيش العراق محنة تسمية وتشكيل الكتلة الاكبر ومرشحها لرئاسة الوزراء، الخلاف اليوم على من يقود الدولة تفصيلا، من له الامر والنهي غير رئيس مجلس الوزراء والوزراء، من له السيطرة على ملف الامن والاقتصاد، من له سلطة ترشيح الوزراء والوكلاء والمدراء، ولان ابناء البيت الشيعي ماعادوا حريصين على بقاء البيت موحدا، فقد ضاقت البدائل والخيارات، واضحى الدفاع عن (المصلحة العليا) لكل طرف هي العقدة التي ستدخل العراق في مرحلة وخروجه من اخرى. فالطرف الاطاري يخشى التسليم بضياع سيطرته الجزئية على الملف الامني وعلى حضوره في الملفات الاخرى، إنه يخاف من سيطرة التيار على جميع المقدرات ولهذا تبدو الامور شائكة وحلولها معقدة، ما لم يتم الاتفاق بين طرفي النزاع على اقتسام السيطرة وتحقيق شكل من اشكال التوازن أو الذهاب الى النهايات القصوى السيئة.
المتزعمان الرئيسان لهذه المرحلة هما زعيم التيار الصدري وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، وكلاهما لديه رؤية لا تتكامل مع الاخر، بل يتقاطعان في الاهداف الاخيرة لمشروعيهما، وتفاهمهما في هذه المرحلة يستهدف تجاوز معوقات مرحلية بما يستدعي تطويع ارادة منافسين وخصوم ونقل قطار السياسة العراقية من سكة الى اخرى، السيد مقتدى الصدر يريد تصميم حكومة اغلبية وطنية بمقاسات حددها بنفسه، يُدخل فيها من يشاء ويقصي من يشاء، ولا تريد الاطراف الاخرى السماح له بذلك، لأنها تخشى تزعمه لقرار (الطائفة) وعندذاك ستجد نفسها ثانوية التأثير أو بلا تأثير، بينما لا يجد السيد غضاضة في ذلك، فصناديق الاقتراع هي من فوضته هذه الزعامة غير المكتملة، انه في عجلة من أمره لتأكيد هذه السطوة والزعامة، ومن لا يريد التسليم بمآلات هذا المشروع يلجأ بطبيعة الحال الى اساليب تعطيل، من بينها خلطة الطرف الثالث المسلحة، السيد البارزاني يعاني هو الاخر من عدم تسليم شركاء محليين بزعامته وهو يستخدم تحالفات جديدة مع شركاء الوطن لتحييد شركاء القومية، في حين تمَّ حسم موضوع الزعامة السنية برعاية عربية- تركية حيث جاء المخرج من التنافس بتأسيس شركة مساهمة وانتخاب مجلس ادارتها عبر توزيع المهام والوظائف، لأنه لا مشروع كبيرا يعطل الاتفاق على هذه الزعامة، انما الحصول على الحصة بموجب الاستحقاق الطائفي والتقسيم المكوناتي.
نحن بازاء اعادة هندسة المشهد السياسي وترتيب أوزان اللاعبين بين كبار ومتوسطي حجوم وصغار وآخرين يستخدمون المفرقعات، وحتى يرضى هؤلاء بحجومهم سيكون لضغط الخارج دور في التسليم بهذه القسمة، وهنا يحضر الدور الايراني باعتباره المؤثر الاكبر والفائز في مباريات التنافس مع اميركا، ستخرج الهندسة السياسية بنتائج فعالة اذا اقتنعت طهران بأن مرحلة جديدة هي قيد التشكل في العراق، اما اذا أريد لصيغة الحكم العراقية أن تستمر وفق نموذج مشاركة الجميع في الادارة، فان الامر يحتاج شهورا لتنجح عمليات الترويض وفق مبدأ حافة
 الهاوية.