رجل قانون

الصفحة الاخيرة 2022/01/31
...

حسن العاني
أفضل أن أدعوه بكنيته (أبو أيمن) كما اعتدت على مخاطبته بهذه الكنية منذ ثلاثين سنة، مثلما أفضل تقديم صفة الجار معه على صفة الصديق، برغم أنه واحد من (أعز وأقدم) أصدقائي، ولكن الصديق ليس جاراً بالضرورة، إلا أن الجار (الطيب) صديق بالضرورة، إذن أنا أطلق عليه صفة (الطيب) بصورة غير مباشرة، والحق فهذه ليست صفته الوحيدة، ولولا خشيتي من تهمة المبالغة لما استثنيت أنبل الصفات الإنسانية الا ونعتّه بها، فمن يكون مثقفاً ومتواضعاً ومتسامحاً وكريماً ونبيلاً، يستحق أن نقدم بين يديه ما يليق به وفي المقدمة منها المحبة..
ذلك هو أبو أيمن الجار والصديق الذي بلغ الثامنة والستين من العمر، وتمت إحالته على التقاعد قبل أربع سنوات او خمس بعد خدمة عدة عقود أمضاها متنقلاً بين دوائر الدولة بصفته او عنوانه القانوني، وكان في جميع الأماكن التي شغلها موظفاً متميزاً، وامتلأ تاريخه الوظيفي بالتكريمات مثلما امتلأت (اضبارته) بكتب الشكر، والشيء بالشيء يذكر ما دمنا بهذا الصدد، فقد كانت (اللغة القانونية) ومفرداتها طاغية على لسانه، وعبارة (القانون فوق الجميع) لازمة لا تفارق كلامه، واشهد أن الرجل كان يتعامل مع هذه العبارة، ويكثر من استعمالها، ليس من باب الاعتياد او الثقافة القانونية او التأثير الوظيفي، بل لأنها جزء من شخصيته العملية التي يطبقها على نفسه قبل تطبيقها على الآخرين.
أمر طبيعي على رجل أمضى قرابة أربعين سنة في العمل الوظيفي ألا يطيق البقاء من دون عمل، لذلك استثمر خبرته الميدانية الطويلة وشهادة الماجستير التي معه في القانون، وافتتح مكتب محاماة سرعان ما حقق نجاحاً كبيراً وحظي باقبال منقطع النظير، لأن سمعته سبقته إلى المكتب، ما يوجب الذكر هنا، إنني كنت معه في مركبته – ذات يوم يعود إلى بدايات كانون الاول من العام الماضي- متوجهين إلى دعوة عشاء عند أحد أصدقائنا، وعند بلوغنا أحد التقاطعات المرورية، توقفنا أمام الإشارة الضوئية الحمراء، واذا بمركبة من المركبات الحديثة والفخمة (ترتطم) بمركبتنا من الخلف ارتطاماً عنيفاً، فغادرنا مقاعدنا غير مصدقين.. نظر أبو ايمن إلى السيارة المخالفة او المعتدية، فرأى في داخلها مجموعة صبيان او (زعاطيط) كما اسماهم صديقي لاحقاً، احدهم يحمل رشاشة يظهر نصفها العلوي وهم غارقون في الضحك، ثم نظر إلى مفرزة المرور القريبة وهي تراقب الحادث بصمت وحزن، لم ينظر صديقي إلى أضرار مركبته، ولم يذهب إلى المفرزة، ولم يتحدث مع الصبيان، وعاد إلى مركبته محتقناً بالغضب وهو يردد مع نفسه : القانون فوق الجميع .. والرشاشة فوق القانون!.