الطريق الى البصرة يعني الطريق الى التاريخ والى الثروة، مثلما هو المسار الى الانفتاح على خارطة العالم الكبير..هذا التوصيف ليس تعبيرا عن موضوع رحلة افتراضية، بل هو تعبير عن واقع حالٍ ينبغي ان يكون بمستوى قيمته ودلالته، حيث البصرة تاريخ يكتنز المعرفة والعلم وجدل الافكار، وحيث هي ثروة العراق وسوقه الذي يغتني بهما الآخرون.
صدمة الطريق قد تكون أول المفاجآت، إذ هو طريق لايصلح أن يكون تجاريا، ولا معبرا حقيقيا للثروة والمصالح، من حيث رداءته واهماله ومطباته، ومن حيث فقدانه للدلالات التي يُفترض وجودها في الطريق الدولي الى البصرة، ولطبيعتها كمدينة نفطية تعمل بها عشرات الشركات العالمية، وتعبر عبر هذا الطريق مئات الشاحنات الكبيرة والتي تحتاج الى طرق آمنة وسريعة ومحمية.
الدخول الى البصرة هو ثاني الصدمات، إذ تبدو وكأنها مدينة عشوائيات، يساكنها الاهمال، ولا أفق لحيوية العمران فيها، والذي ينبغي أن يكون مؤشرا لقيمتها، ولعمقها كمدينة تاريخية يعرفها الحكّاؤون والمستشرقون وعلماء اللغة والكلام، فالاهمال فيها علامة فاضحة، وهو ما يُعطي انطباعا للزائر الغريب وكأن الحرب مازالت تنام عند ارصفتها المُترَبة، وعند بيوتها الواقفة عند حافات الغبار.
الصدمة الثالثة هو تشوه العمران المديني، وغياب أيّ ملمح للتنمية، وللحداثة التي ينبغي أنْ تقترن بثروتها وبتاريخها، وحتى بأسواقها ومينائها العالمي، وطبعا هذا التشوه سينعكس بالضرورة على العمران البشري، فالبطالة مستشرية فيها بشكل واسع، وعشوائيات الاسواق تكشف عن رثاثة الواقع، وعن عطالة الجهد المؤسساتي والتنظيمي والتخطيطي، والذي يفترض أن يجعل من البصرة أنموجا للمدينة العمران، والمدينة التي تناظر جاراتها من مدن الخليج التي تحولت الى مدن للفرجة واسواق للمنافع التجارية والثقافية والاستثمارية.
التخطيط قد يكون أول مؤشرات الفشل في ادارة المدينة، فتجريد البصرة من تاريخها وعمقها وتحوليها الى شاحنة لنقل النفط سيعدُّ جريمة حضارية وانسانية، إذ ستكون هذه الجريمة سببا في تعطيل ارادة الحياة فيها، وتضخم مظاهر الفساد والفشل، وفي تشويه هويتها، وبالتالي افقادها القدرة على النهوض بواقعها وبحاجتها الحضرية والاستثمارية والعمرانية.
الصدمة الرابعة ترتبط بالصراعات السياسية داخل المحافظة، وهو مايعني الحاجة الى جهد وطني اتحادي ومحلي لتجاوز هذه العقدة عبر السيطرة على اسبابها، ومعالجة مشكلاتها بروح المسؤولية الوطنية، واخضاع حركة الثروة فيها، بما فيها حركة الاستيراد والتصدير الى نوع من الحوكمة التي تمأسس العمل، وتحمي الثروة الوطنية، بما فيها ثروتا النفط والغاز، وبما يقطع الطريق على الفاسدين، فضلا عن ربط العمل الاستثماري فيها، لاسيما مع الشركات الاجنبية بنظام يقوم على برمجة تمويل مشاريع العمران والعمل والخدمات الساندة لتنمية المدينة.
الصدمة الخامسة هي الصدمة المائية، وهو ما لم يتم استثماره بشكل علمي أو عملياتي، وهو ما يدخل في المجال الاستثماري أيضا، حيث العناية بالموانئ، بما فيها المشاريع الخاصة بتنقية المياه الصالحة للشرب، واقامة السدود الخاصة بحماية المياه العذبة قبل الدخول الى مياه شرط العرب والخليج العربي المالحة، فضلا عن العمل على تأهيل ضفاف شط العرب وتحويلها الى جنان ترفيه وخدمات للمواطنين ولدعم عمل القطاع الخاص وامتصاص البطالة فيها.