بين العراق وإيران تاريخ طويل من العلاقات المعقدة، ولعل حرب الثماني سنوات كانت من أسوأ ما مرت به دولتان جارتان في تاريخنا المعاصر، بما خلفته من ضحايا ومآسٍ، وتعد لحظة إسقاط النظام الصدامي نقطة تحول في العلاقات، إذ أصبحت إيران البوابة الأولى لدخول المعارضة الإسلامية بالتزامن مع الأيام الأولى للغزو، وفي الوقت الذي لم تبارك فيه غالبية الدول العربية سقوط النظام الدكتاتوري ولم تؤيد النظام الجديد، كانت إيران أول من وجد موطئ قدم ونفوذاً حقيقياً صريحاً من خلال المنظومة السياسية الجديدة، وبرؤية مناهضة للوجود الأميركي، بينما اكتفى غالبية العرب بالترويج لما يسمى الجهاد ضد المحتلين الأميركان سواء بدعم علني أم خفي، في الوقت الذي يتمتعون به بعلاقات تحالف استراتيجية مع أميركا، وهذه الازدواجية كانت تضمر بين طياتها رؤية موجهة توجيهاً طائفياً وسياسيا.
يفترض أن تكون أحزاب المعارضة التي تقاسمت دفة الحكم مدينة لأميركا لإسقاطها نظام البعث، من جانب آخر تنظر بعض الأحزاب إلى إيران بكونها كانت ملاذها الوحيد على أيام الدكتاتورية، إذ لم يكن مرحباً بالمعارضة العراقية بمختلف أشكالها لا عربياً ولا دولياً، مع استثناءات بسيطة كسورية أو الأردن التي وفرت ملاذاً لحركة الوفاق بمظلة أميركية، وهنا تجد بعض الأحزاب أن وضعها متأرجحاً بين حليفين متضادين، فعلاقة إيران مع أميركا منذ سقوط الشاه حتى يومنا هذا في توتر مستديم، بلغ أوجه الآن بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي وفرض العقوبات الأخيرة التي يراد للعراق أن يكون طرفاً فيها، وهو مطلب غير واقعي بسبب حاجة العراق لإيران لا سيما في قطاع الطاقة، وعموم حجم التبادلات التجارية التي بلغت (12) ويراد لها أن تكون(20) مليار دولار سنوياً، وربما هناك محاولة للتحايل على العقوبات بالتعامل باليورو بدل الدولار وخفض التعامل بالعملة المحلية، وهذه هي القضية الأهم في زيارة روحاني، ومن المرجح أن يزور الرئيس الإيراني المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، الذي سبق أن رفض مقابلة أحمدي نجاد إبان زيارته للعراق، وهذه القضية الثانية التي لا تخلو من مدلول رمزي يضاف للرصيد السياسي لهذه الزيارة.
يراد للعراق أن يكون عدواً لإيران لتستقيم بعض الاستراتيجيات الإقليمية والدولية، ولم يفكروا بما أنتجه العداء من كوارث خلال حرب الثمانينيات، وهي التي مهدت للتواجد العسكري الأميركي في المنطقة، وليس من مصلحة العراق بحكم ظروفه الاستثنائية أن يكون طرفاً لزعزعة أمن المنطقة كما كان في السابق، بل من مصلحته ومصلحة المنطقة أن يكون طرفاً للتوازن، وألا يخضع للتجاذبات بين المحاور المتنافسة، لنا مصالح مع أميركا وأوربا مثلما لنا مصالح مع إيران وروسيا وكذلك مع مختلف بلدان العالم ومحيطنا العربي، فروحاني مرحب به في بغداد كجار استراتيجي مثلما سنرحب بأي رئيس دولة عربي أم أجنبي بهدف إعلاء مصالحنا أولاً وليس العكس.