حسن العاني
مزبان عزة رمضان، واحد مثل غيره عاد إلى الوطن بعد غياب عنه دام أكثر من عشرين سنة، عانى فيها من (ويلات الغربة) على حد تعبيره ما يصعب احتماله ووصفه، غادر العراق وليس بين أوراقه العلمية سوى شهادة المتوسطة، اذ لم يوفق – على الرغم من الجهود المضنية التي بذلها – باجتياز السادس الإعدادي على مدى ثلاثة أعوام دراسية متعاقبة كان يفشل فيها ويفشل، وأخيراً لملم أغراض الغربة وذكريات عشرين سنة، وقرر الرجوع إلى (العراق الحبيب) – هكذا أصبحت هذه العبارة لازمة لا تفارق لسانه حيثما ورد اسم العراق – وكانت عودته في الرابع من مايس (2003) أي قبل أن تكمل ثورة التاسع من نيسان المجيدة عامها الأول، ولم يكن (حنينه) إلى الوطن كغيره مفاجئاً لنا، كما لم تكن شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية التي عاد بها من الخارج مفاجئة لنا كذلك، فغيره بالمئات أعني عشرات المئات، عادوا بشهادات عليا وقد غادروا البلاد بالابتدائية او احدى شهادات محو الأمية، يقول مزبان: الحصول على الشهادة في الخارج أرخص من الحصول عليها في الداخل (هو الذي استعمل مفردة أرخص.. ربما يقصد أسهل)، وغيره بعشرات المئات قطعوا صلة الوصل بينهم وبين بلدان الغربة بعد أن دفعهم (الحنين) إلى بلادهم وأرضهم وطفولتهم وأمهاتهم..
نعم.. مزبان واحد منهم، عاد بشهادة الدكتوراه، ووصل العراق الحبيب بصفته (مناضلاً) لم يحتمل البقاء تحت خيمة الدكتاتورية والظلم والمقابر الجماعية، واختار طريق النضال الصعب في الخارج تحت خيمة الأمن والسلام والحرية و.. و.. وهكذا ارتقى المنصة لإلقاء محاضرته، كان علينا احترام طباعه الأجنبية التي اعتاد عليها، فبقدر ما كان يمنح المحاضرة قبل الشروع بها – هذا ماعهدناه في محاضراته السياسية السابقة – الكثير من المتعة عبر الحوارات الطريفة مع الحضور، والاستماع إلى آرائهم برحابة صدر، فإنه بالقدر نفسه لا يسمح لأحد بمخالفته او الاعتراض عليه بعد الانتهاء منها، وبناء على مقتضيات العرف فإن كلام المناضل يجب إطاعته والتقيد به!
في تلك المحاضرة التي يعود تاريخها – ربما – إلى عام (2014) طرح الرجل علينا السؤال التالي [ما الفرق بين الكابينة الوزارية الحالية، وبين الكابينات السابقة؟!] وتنوعت الاجابات وتباينت، عندها تولى الاجابة بنفسه [الكابينات القديمة قامت على مثلث متساوي الأضلاع من الطائفية، المذهبية، العرقية، السياسية، أما الحالية فعلى مثلث متساوي الأضلاع من العلاقات، المجاملة، القرابة!] أردت القول: هناك ضلع رابع يعد الأهم وهو (الضحك على العراقيين)، ولكن لم يكن مسموحاً لأحد بالتعقيب أو التعليق أو الاعتراض!.