نرمين المفتي
كانت الصورة التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي أولا ومن ثم في نشرات الاخبار مفجعة. في الصورة، يتمدد رجل وصغيران على الارض وكأنهم نيام وحولهم رجال من الشرطة وخلفهم دخانٌ ابيض يتسلل بين سعفات نخلتين. كانت الصورة نهاية فيلم مأساوي بطله الأب الذي دأب على اصطحاب ابنه وابنته، اللذين لم يتجاوزا العاشرة من عمرهما للبحث عن العلب الفارغة لجمعها وبيعها للحصول على قوت يوم العائلة وفي ذلك اليوم وفي جبلة - محافظة بابل، انفجر بهم (مخلف حربي) كما قال البيان الرسمي، ربما كان لغماً.. وبعدهم بأيام انفجر مخلف حربي اخر، قال البيان إنه عبوة ناسفة، بطفلين في المحمودية وتسببا بمقتلهما، وقبل هذين الحدثين، تسببت الالغام بمقتل ستة اشخاص وجرح ضعف هذا العدد في حدثين في اسبوع واحد في الزبير-البصرة.
ربما لا يمرُّ شهر دون حوادث مؤلمة تتسبب بها الالغام والمخلفات الحربية في مختلف انحاء العراق عامة والحدودية خاصة، وقبل سنوات، قرأت تقريرا عن قرية (جرف الملح) التي تتبع قضاء (شط العرب) في البصرة، والتي فقد فيها 123 من أهلها اما حياتهم او سيقانهم بسبب الالغام وهم يبحثون عما يمكن بيعه بين الأنقاض.
وشاهدت فيلما وثائقيا عن قرية جنوبية على الشريط الحدودي العراقي-الايراني، ويعمل أهلها بالرعي، تسببت الألغام المزروعة ببتر سيقان الكثير من الرعاة. وهذا الشريط الحدودي الممتد من بنجوين شمالا الى راس البيشة جنوبا، مزروع في غالبيته بالألغام سواء المضادة للبشر او للدروع والآليات العسكرية، وهي من الاراضي الخصبة جدا والتي يقصدها الرعاة او من الاراضي التي تضم الكثير من الثروات المعدنية، فضلا عن الأغلفة النحاسية للمخلفات الحربية والتي يبحث عنها الناس للمعيشة.
تقول تقارير الامم المتحدة إن المواقع المزروعة بالألغام في العراق تغطي نحو 1730 كيلومتراً، وتؤثر في نحو 1.6 مليون نسمة. وهذا التقرير عن الشريط الحدودي الشرقي فقط ولا تدخل فيه الالغام التي زرعتها قوات الغزو وتلك التي زرعتها داعش
الظلامية.
ونقلت وكالة الانباء العراقية (واع) عن مدير عام شؤون الالغام ظافر محمود خلف: إن "المساحة المتبقة من ملف الألغام هي 2883 كليومترا مربعا في عموم العراق، حيث إنها تحتوي على الألغام والعبوات الناسفة خاصة في المناطق الشمالية والمناطق المحررة". بينما كانت المساحة الخطرة سابقاً والتي كانت تحتوي على الالغام غير المنفلقة والمخلفات الحربية" تمتد لـ (6000) كيلومتر مربع، لكن بالعمل الجاد، تمت إزالتها باكثر من 52 % من المساحات".
وكان من المفروض أن يكون العراق خاليا من الالغام بموجب التزاماته الدولية
في 2018.
ولكن، يوضح وزير البيئة جاسم الفلاحي لـ (واع) "بسبب تحدي عصابات داعش الإرهابية ونشرها الواسع للعبوات الناسفة، طلبنا التمديد وحصلنا على التمديد لغاية العام 2028 ليكون العراق خاليا من الالغام".. ونأمل أن تكون إرادة ورؤية وطنية لحسم هذا الملف المهم، الذي لا يؤثر في حياة الناس وعودتهم الآمنة الى أراضيهم فحسب، وإنما يؤثر بشكل كبير على تشجيع الاستثمار ودخول الكثير من الشركات المستثمرة".
ليست الألغام الارضية لوحدها تهدد حياة العراقيين، انما واستنادا الى موقع (رصد الالغام الارضية والذخائر العنقودية- Landmine and Cluster Munition Monitor)، فإن العراق من اكثر دول العالم تلوثا بالذخائر العنقودية والمخلفات الحربية غير المنغلقةـ والتي تشكل خطرا حقيقيا على حياة العراقيين. ليس الان فقط، انما منذ أن انتهت الحرب العراقية الايرانية وعادت الحياة الى البلدات والقرى، التي تقع على الشريط الحدودي، وتضاعف عددها بالحروب من بعدها. واستمر هذا الملف مهملا ماليا رغم اهميته سواء في بلدات وقرى الشريط الحدودي او في المناطق المحررة من داعش الظلامية، اذ اكد مدير عام شؤون الالغام لـ (واع) في تشرين الاول 2021 إلى "عدم وجود تخصيص مالي من الميزانية، وأنه تم تقديم طلب للتخصيص خلال الموازنة القادمة}، مبيناً أن، {إزالة الألغام تكون عن طريق الجهد الوطني من وزارتي الدفاع والداخلية والحشد الشعبي، إضافة للدول المانحة، لذلك ننتظر مساعدة الحكومة في تمويل المشاريع، وإزالة الألغام لانجاز التزاماتنا تجاه الاتفاقيات الدولية}.
لا بد من التفات حقيقي لهذا الملف مع ارتفاع عدد ضحايا المخلفات الحربية، والذين في غالبيتهم اما من الذين يقبعون تحت خط الفقر ويبحثون في الانقاض عن كل ما يمكن بيعه او من الرعاة والفلاحين.