تحديات المجتمع المواطني

آراء 2022/02/02
...

 رعد أطياف
من سوء حظ العراقيين أنهم نشؤوا في ظل معايير طالما نظرت إليهم من منظور قبلي أو طائفي. وكلا التقسيمين لا يندرجان في قاموس دولة المواطنة. ومضافاً إلى محنة التقسيم القبلي والطائفي، يتفوق العراق على البلدان العربية في تنوعه الأثني والطائفي؛ فثمة محافظات عراقية تتضح معالمها جلياً من خلال هويتها الطائفية؛ فالأنبار، وصلاح الدين، والموصل، مثلا، محافظات سنية. وميسان، والبصرة، وذي قار، محافظات شيعية. 
 
وهذه أمثلة للتوضيح وليس الحصر، فلا يقتصر الأمر على هذه المحافظات فحسب، بل يتعداها لجميع محافظات العراق، مع وجود استثناءات في العاصمة بغداد؛ فعنصر الأغلبية الطائفية هو المتسيّد في باقي المحافظات. حتى بغداد، وبحكم التنوع الطائفي، تخضع أحياؤها السكنية إلى ذات التقسيم. أينما تتجه ستعثر على هذه التركيبة: أغلبية طائفية، مع وجود استثناءات مثلما ذكرنا.
ما هي الرابطة أو الآصرة الاجتماعية التي تجمع بين المحافظات السنية والمحافظات الشيعية؟ لا يجمعهم سوى شيء غير واضح المعالم!. 
أقول ذلك، لأنه كما هو معلوم، حتى هذه اللحظة لا يوجد لدينا قانون يخصّ المواطنة، قانون واضح وصريح، عابر لمقولات العرق، والطائفة، وما شابه ذلك.
إن التقسيم الديموغرافي المصمم على أساس طائفي يعمّق الهوّة بين أبناء البلد الواحد، ويرسّخ الأساطير المؤسسة لكل هوية قومية كانت أو طائفية. ماذا لو دخل ابن محافظة ميسان إلى الرمادي والعكس صحيح؟ لا أظن أنه سيشعر بانتماء لهذه المحافظة أو تلك! كما لو أنه غريب عن وطنه. لا أعني أنه سيتعرّض للردع أو الطرد والإقصاء، وإنما طبيعة التوزيع السكاني أحكمت قبضتها منذ زمن طويل لتبقى الأواصر الاجتماعية شبه معدومة. 
وبالعودة إلى قانون المواطنة، فإنه حتى لو تمَّ تشريع هذا القانون، وهو خطوة مهمّة بكل الأحوال، فستبقى هذه الإشكالية لعقود طويلة تهدد السلم المجتمعي في العراق، وهي أشبه بالقنبلة الموقوتة تهدد أي إمكانية للنهوض بواقع البلد. وعمومًا ستكون المواطنة صمّام الأمان الذي يشعر الكثير من الناس أنهم مجتمع مُنَظَّمٌ من قبل الدولة، وإن هوياتهم الفرعية أمر ثانوي بالقياس إلى الدولة 
وقوانينها.
سيختزل قانون المواطنة الكثير من الزمن وسيعزز من حالة الانتماء للدولة ومؤسساتها العصرية. ينبغي الاهتمام بهذه المشكلة الديموغرافية، لاسيما بعد العنف الطائفي الذي شهده العراق في السنين الماضية، وزادت على أثرها حدّة التخندقات بشكل واضح، وانقسمت الأحياء السكينة إلى شيعية وسنية. نأمل أن يأخذ القائمون على الأمر هذه الإشكالية على محمل الجد في المستقبل القريب.