العيشُ مع الفلسفة

آراء 2022/02/02
...

   علي المرهج
قل العيش في الفلسفة، يكون القول أمضى، فقد نعيش مع، ولكننا لا نتبنى رؤية هذا الـ(مع)، فإنْ تعشْ مع صاحبك لا يعني أنك تعيش ما يفكر به وما يتمثله من رؤى، وما ينبذه. العيش في الفلسفة يجعلك تعود لذاتك لتعرف مقدار جهلك، بل ومقدار وعيك، لذا يكون العيش في الفلسفة ألذ وأشهى من العيش معها أو مع أصحابها، على ما في (العيش مع) من لذة لا تصل للذة الارتواء، بقدر ما تصل للذة الشعور بقيمة هذا الـ(مع).
 
العيش في الفلسفة، يجعلك تعي معنى أن تكون لك حياة تخصك لا يصفها لك الآخرون، لتشعر بنشوتها، بل تشرب خمرتها لتصل أنت لنشوتها.
العيش في الفلسفة، يعني أنك تعرف قيمة (الآخر) الذي قد يكون خارج معنى تشكيل وجودك الجوهري، ولكنه داخل تشكيل أناك عرضياً، فلا يمكن أن يكون (الآخر) هو أنت، ولكن يمكن أن يكون (الآخر) نقيضك أو ضدك لتعرف معنى وقيمة وجودك أولاً، ووجوده كضد لك يُعطيك معنى آخر لتمظهر وجودك 
ثانياً.
ستعرف من خلال العيش في الفلسفة أن الحياة مع (الآخر) تقتضي الشعور بالمسؤولية، ومعرفة أهميتها بالنسبة لك كذات موجودة أدركت وعرفت وجودها الذي تمثل عبر التماهي الطبيعي، مع قوانين المنطق التي تأسست على مقولة (إن الشيء هو هو ولا يمكن أن يكون غيره)، ولكنها حقيقة منطقية لا طبيعية، فأنا الأستاذ الجامعي لست أنا الأب مثلاً، وأنا 
الصديق لست أنا الكاتب أو الباحث.
فحتى الأنا أو الـ(هو هو) القانون المنطقي لا يُعطيني تصور الذات وتنوع تمظهراتها بحسب المتغيرات الاجتماعية والأيديولوجية وعلاقتها 
مع السلطة.
ما يُميز فلسفة هيجل أنه بيَّن لنا أن الشيء من الممكن أن يُعرف بنقيضه، ولا أخوض في ثنائية الوجود منذ الزرادشتية وقولها في ثنائية (الخير والشر)، وهي ثنائية تكشف لنا عن قيمة النقيض في المعرفة، لنصل إلى هيجل وكشفه عن منطق التناقض. وقيل إن الشيء لا يُعرف إلا بضده. وإن التناقض هو صراع الأضداد وهو جوهر الوجود.
في الماركسية هناك طبقتان هما الرأسمالية والبروليتارية، ولا نهاية للصراع إلا بانتصار البروليتارية على الرأسمالية، ولا أعرف في حال انتصار البروليتاريا، هل يمكن أن يظهر لها نقيض لنعرف أن معرفة الشيء مرتهن بمعرفة نقيضه؟!.
العيش في الفلسفة يعني أنك تعيش في أفق المعرفة بكل رحابتها وانفتاحا على باقي الرؤى الفلسفية المغايرة والأيديولوجية بنزعاتها (الدوغمائية)، ولا يعني نقد الفلسفة المغايرة سوى أنك تعيش في الفلسفة لأنها فكر لا يحيا إلا بالنقد.
قد يُعلمك العيش في الفلسفة أن للفقدان معنىً، كما للكسب معنى، فـ(فقدان آخر) له معنى في تشكيل الحزن، وكسب آخر له معنى في تصوير القادم الأفضل للحياة والسعادة.
قد يربط كثير من قراء الفلسفة أطروحات فلاسفتها بما يُقدمونه من رؤى تجريديّة خالصة، ولكن الفلسفة العملية قدمت رؤى لفهم معنى الحياة 
والسعادة، ولا أقول جديداً إن ذكرتكم بما كتبه الفاربي (المعلم الثاني) من كتب أو رسائل مثل: التنبيه على سبيل السعادة" و {تحصيل السعادة}، أو ما كتبه أو الحسن العامري {السعادة والإسعاد}.