مشكلة العراق السياسيَّة بين الأغلبيَّة والتوافقيَّة

آراء 2022/02/07
...

 ابراهيم العبادي
يشكو العراق من ضآلة فترات الاستقرار السياسي، فنحن أمة مشتبكة في صراع وتنافس شديد على السلطة ومقاليدها، كل فئة وتيار وحزب وجماعة سياسية، تظن أنها أفضل من غريمتها في الادارة والحكم وتحقيق مصالح الدولة والجمهور، كل تاريخنا السياسي مطبوع بطابع العنف المسلح على مذبح السلطة وتقلد الزعامة من دون منافس، عندما جيء بفكرة التوافقية والتوافق والمشاركة المكوناتية (نموذج ارندت ليبهارت )
 
 انتعشت الآمال بخلاص العراقيين من ثقافة الاستبداد والمستبد الواحد، الى ثقافة التشاركية واسترضاء الجميع بالسلطة، والمساهمة بصنع السياسات، بعد قرابة العقدين من الديمقراطية التوافقية الباهتة، تفتقت ذهنية المراقبين عن فكرة تقول إن مشاركة أقوياء المكونات الكبيرة والصغيرة سمحت بانتشار الفساد والمحسوبية وضعف الادارة وضياع الانجاز، ولا بدّ من تفعيل أدوات الديمقراطية في المعارضة الحازمة والمراقبة الصارمة لمن بيده الحكم وادارة الموارد،عند هذا المفترق اكتشف العراقيون أن صيغة ليبهارت اخفقت في انتاج جيل جديد من السياسيين يحرص على ممارسة فن الحكم، بعيدا عن هواجس المصالح الحزبية والمكوناتية، انهم ممثلو جماعات في السلطة، وهدفهم هو تحصيل ما يمكن تحصيله دونما اكتراث لمايصيب الادارة والسياسات العامة وتوزيع الموارد والانفاق المالي من مشكلات، غرق العراق في بحر الفشل الحكومي، فجاءت فكرة محاكاة النماذج الديمقراطية الناجحة بأن يرضى الخاسرون في الانتخابات بمقعد المعارضة، لكنهم أبوا لتجذر القناعة بأن من يحكم سيفوز بالفرص، ومن لا يحكم سيكتفي بالصوت العالي في الاعلام وداخل أروقة مجلس النواب، المشكلة اذن في التوافقية وعدمها، وفي الحكومات الائتلافية ونقيضها، حكومات الاغلبية والاكثرية.
 في الاسبوع الماضي أعادت المحكمة الاتحادية ومن قبلها المؤثرات الايرانية الامور الى نقطةالبداية، لا كتلة اكبر معترف بها، وحتمية انتخاب رئيس الجمهورية من ثلثي اعضاء مجلس النواب (220 نائبا)، عند هذا المنعطف السياسي تباعدت امكانية تشكيل كتلة الاغلبية الوطنية، التي أثارت المخاوف والزوابع، ولاحت فرصة العودة الى التوافقية من جديد، فالامن القومي لبلدان الجوار النافذة، يحتم المحافظة على التوافقية والا تنفرد جماعة سياسية بالقرار الحكومي، عدنا الى حتمية التوافقية والسير على منوال الحكومات السابقة،ماذا كان معولا على الأغلبية أن تصنع حتى يخشى من عودة التوافق؟ هل ثمة ملازمة بين الفساد وضعف الانجاز وبين حكومات التوافق؟، لماذا تنجح حكومات ائتلافية في غير العراق وتفشل في العراق، الذي يبحث عن الاستقرار السياسي والامني، وهما شرطا التنمية والازدهار؟ لا أحد بإمكانه الجزم بهذا التلازم، فعندما يتوافقون يتضامنون في التغطية على الفساد، وعندما يتمايزون بين سلطة ومعارضة لن يكون الفساد أخف وطأة على التنمية والناس، الفساد ثقافة مجتمع زادها رسوخ ا المجتمع السياسي الفاسد والمجتمع المدني الخاوي،ضعف الادارة وهدر المال وبيروقراطية السياسات، لا تعالجها حكومات أغلبية أو تنعشها حكومات توافق، المشكلة أعمق من ذلك بكثير، المشكلة في سطحية الادارات وهزال ثقافة الحكم، وسنوات طويلة من البلادة التي هيمنت على كل شيء، توقف الزمن في العراق ومضى العالم مسرعا، المصلحون والمهمومون بتغيير الواقع، سرعان ما يصطدمون بكتل صلدة من اساليب ومناهج وافكار في التخطيط والتنفيذ، والحوكمة والادارة ظلت تخنق كل ارادة اصلاحية ومنهج تغييري، المشكلة في صنع السياسات وعقول صانعيها ومن يتولى ترجمتها الى مشاريع عمل، اضمنوا استقرار معادلة الحكم والسلطة بغير منطق التغالب، سيستقر الحال ثم فكروا بتغيير أو اصلاح تدريجي، اما الثورية في الاصلاح والتغيير فقد فات أوانها في العراق، وكل ثورة ستواجه ثورة مضادة سلاحها العنف وعنوانها الاضطراب وادمان الشعارات ونتيجتها الفشل والدوران في ذات 
الزريبة.