عن فرصنا الضائعة

آراء 2022/02/10
...

 رعد أطياف
 
لا يختلف اثنان في ما أظن على هذه الحقيقة: أن حجم العائدات النفطية التي تدفّقت على نظامنا السياسي الجديد، لم نشهد مثلها لا في النظام الملكي ولا الجمهوري. وخلال المئة عام المنصرمة لم يشهد العراق مثل هذا التدفق المالي الواسع. والمدهش والصادم في هذا الأمر، أنه ثمّة علاقة طردية بين حجم الاموال المتدفقة من ريع النفط، والأرقام التي نسمع عنها في الإعلام عن عمليات الفساد المستشري في مؤسسات الدولة. 
ويترتب على هذا الأمر حالة لطالما لازمت الفرد العراقي وأعنها بها التسويف والاتكالية وضعف الإداء الوظيفي في معظم مؤسسات الدولة. لدرجة أن التباطؤ وقلّة الإنتاجية من جهة والمحسوبيات المتفشية من جهة اخرى أصبحت رديفًا لشخصية الموظف العراقي.
ليس هذا فحسب، بل أصبحت الدولة ومؤسساتها تحمل مدلولات سلبية في ذاكرة الفرد العراقي. 
دائما ما يستحضر عموم العراقيين مفهوم الدولة بوصفها رديفاً لكل أشكال القسوة والعنف. فما تركه النظام السابق من ويلات لم يغب عن ذاكرة العراقيين، ولا زالوا، بحكم الاستمرارية الثقافية، لا ينظرون إلى الدولة إلا من حيث كونها كياناً أبوياً لا ينتظرون منه شيئاً سوى توزيع الهبات والعطايا دون مقابل.
وكانت الفرصة سانحة بعد التغيير أن تشمّر النخب الجديدة عن ساعديها لإحداث قطيعة مع هذه الثقافة المشوّهة التي لا تفرق بين الدولة كمؤسسات والنظام السياسي كحالة ظرفية. وللعراقيين الحق في ذلك لأنهم لم يستطيعوا التمييز بين الاثنين بحكم السياسيات الجائرة من قبل النظام السابق، الذي اختزل تاريخ الدولة بشخص {السيد الرئيس}. لكنّ النخب ليست معذورة، ذلك أن التغيير يقع على عاتق النخب. 
إلا أن خيبة الأمل ظلت كما هي عليه، بل أكثر من ذلك: ازداد حجم الفساد أضعافاً مضاعفة. ولعل حجم الثروات التي تم هدرها كان بإمكانها بناء البلد من شماله إلى جنوبه، حيث لم يتصدَ السياسيون لهذا الخطب الجلل بغية إصلاحه وضخ الحياة من جديد في أوصال هذا البلد المتعب.
بصرف النظر عن التفاصيل، فثمة بديهية ربما لا يختلف عليها اثنان، وهي بعد التجربة المريرة التي كبدتنا كل هذه الأرقام المهدورة، اتضح أن الاستعانة بالخبرات الأجنبية هي الحل الأسلم. وستكون المسؤولية الملقاة على كاهل الحكومة القادمة مضاعفة. فعدم الاستعانة بالخبرات الأجنبية يعني الوقوع في فخ الدائرة المغلقة من جديد. فإما الإدارة العقلانية الرشيدة أو الوقوع في دائرة الشعبوية المغرية!. فالفرص تمر مر السحاب لو كانوا يعقلون أو يسمعون.