ضحى عبدالرؤوف المل
بنى كاتب مسلسل {الفأر} دراما طويلة السرد في حبكة يعالج فيها الفأر الطبي او فئران التجارب النفسية، المرتبطة بفكر المدينة الفاضلة بلا حرب وجريمة، والتي لا تأتي من تلقاء نفسها. إذ علينا أن ننشئها وفق خطة طويلة الأجل. لتمرير القانون الملغى مرة أخرى، عبر معهد الاختبارات الجينية البشرية.
فمراقبة الأجنة منذ التلقيح حتى يولدوا بصحة جيدة وعلى قيد الحياة هو حرص على فئران التجارب، ومراقبتهم حتى من أجهزة المخابرات داخل الدولة نفسها كي لا تحدث المشكلات في التجربة، اذا ما مات احدهم، وبالتالي مراقبة سلوكياتهم بدقة شديدة. فاستخدام أسر الضحايا المثيرين للشفقة من اجل تمرير اجهاض الاجنة من المصابين بالاعتلال النفسي.
قانون الإجهاض القسري
قتل الأبرياء هو قتل مع سبق الإصرار والترصد رغم نبل الهدف من قبل" تشوي يونغ شين" وجوهرية البحث بعلم الوراثة الجينية، والايمان المطلق بأن العلم يمكنه حل مشكلة الجريمة في العالم والقضاء على القتلة المحتملين قبل ولادتهم. فهل ستولد المدينة الفاضلة المسالمةالخالية من القتل والحروب الأهلية، اذا تمَّ تمرير مشروع قانون الاجهاض القسري للأجنة مع جين "الإعتلال النفسي"؟ أم أن رفضه نعمة مقنعة؟ وهل من حق طفلك العيش في عالم خال من الحرب او الجريمة؟ وهل يمكن انتهاك حقوق الطفل قبل ولادته من خلال الحكم عليه مسبقا بسبب جين الاعتلال النفسي؟.
الحيوانات المفترسة
تنتشر جينات الاعتلال النفسي بسرعة مع تطور المجتمع. الاعتلال النفسي هو جين متحور نشأ مع تطور المجتمع بالنسبة لهم. فإن جين أوكسيدز احادي الأمين الذي يتحكم في المشاعر البشرية منذ الولادة. يكاد يكون معدوماً خاصة بالنسبة لأعلى من واحد بالمئة من المرضى النفسيين. مثل القتلة المتسلسلين. فإن جين اوكسيدز احادي الاميني غير موجود على الاطلاق. لهذا ستقوم الدولة بإدارة الحمض النووي لجميع المواطنين وليس فقط المجرمين. وأيضاً ايجاد الحمض النووي للمجرمين مسبقاً ومنع الجرائم العنفية. وهذا النوع من المرضى النفسيين متغطرس لدرجة أنهم يرتكبون خطأ سخيفاً في بعض الأحيان، وهؤلاءالمرضى النفسيون هم نتيجة طفرة جينية نشأت مع تطور المجتمع. ومن بينهم أعلى من واحد بالمئة يسمون بالحيوانات المفترسة. تماماً مثلما تفترس الأسود الأرانب غريزياً تفترس الحيوانات المفترسة البشر. فهل الإنسان هو فريسة صيد؟ أم أنه فريسة اختبار طبي كفأر تجربة؟ وهل حقوق الانسان أهم من حياة المواطنين؟ وما هي حقوق الجنين؟.
الإنسان وازدواجية الميول
ما تعلمه الدكتور "دانيال لي" من خلال اختبار الحمض النووي للأجنة. أنه يمكنه تحديد جين الاعتلال النفسي عند الأجنة قبل ولادتهم، وهذا يعني أنه يمكن التعرف على المرضى النفسيين في المستقبل. قبل ان يقوم الأشخاص الذين لديهم جين الاعتلال النفسي بابادة البشر العاديين، وقبل أن يأتي هذا العالم المرعب علينا التخلص تماما من الأشخاص الذين يعانون من جين الاعتلال النفسي. فبنية المسلسل الدرامية قائمة على فكرة مجتمع بلا جريمة وبلا حروب ، ولكن هل يمكن للانسان أن يخضع للتجارب العلمية او للتجارب الطبية كفأر تجربة بعيداً عن التفكير الانساني؟ وهل سلبيات وايجابيات التجارب على الفئران تنطبق على الانسان؟ وهل يمكن للمدينة الفاضلة أن تقام والانسان بتكوينه ازدواجي الميول ويتقلب بين الخير والشر؟، فالمسلسل بمشاهده الاسترجاعية قامت على تصحيحات لمشاهد سابق، وكأن المخرج وضع الفكرة بين ازدواجية المشهد او المشهد المعاكس للحقيقة رغم أن الفكرة بتنوعها تتكرر في الدراما. الا أنها في مسلسل الفأر اندمجت باسلوب ما بعد الحداثة الاخراجي القائم على تنوع الفكرة وتقلباتها في مشاهد تتفكك وتندمج. لتشكل نوعا من الاسترجاع النفسي بقساوة المشاهد الدامية، التي جعلتني أعود الى هتشكوك وقدرته على الخلق الحركي في مشاهد ترعب النفس. لكنها تترك اثراً جماليا سببه التصوير والموسيقى والعمق الفني في المشهد، الذي افتقدناه في مسلسل الفأر الذي احتاج الى قدرة تصويرية عميقة حسياً بمعناها التمثيلي في مسلسل خلق جدلية بين القانون الطبي والقانون الانساني والتذبذب بينهما. فهل نوايا المدينة الفاضلة تسمح باستخدام البشر كفئران للتجارب؟ أم أن التقدم التكنولوجي في الطب وغيره تتسبب بوحشية في مجتمعات قائمة على الحداثة وتطمح في ولادة المدن المثالية الخالية من الجرائم والحروب؟.