{سعيد أفندي}.. غير صالح للعرض

الصفحة الاخيرة 2022/02/14
...

علي حمود الحسن
شاهدت قبل فترة النسخة المتاحة من فيلم "سعيد افندي"(1957)  في "اليوتيوب"، وهي نسخة غير صالحة للعرض على أي حال، وتساءلت ما الذي جذب كاميران حسني كمخرج، ويوسف العاني ككاتب للقصة والحوار، وعبد الكريم هادي كمنتج، لهذه الحكاية البسيطة التي لا تتضمن تحولات سردية عميقة، ولا شخصيات مولدة؟.
يقول يوسف العاني إنه قرأ القصة عشرين مرة، وافتتن ببطلها، وحينما شرع في كتابة المعالجة السينمائية والحوار لها، ضمنهما الكثير من الرسائل التي تدين الواقع الاجتماعي والسياسي، لا سيما إن فريق العمل عموماً ويوسف العاني ـ الفتى المسرحي المشاكس يومذاك ـ بشكل أخص، يحملون رؤى وأفكاراً تتوجس منها الرقابة وربما تمنعها، لذا وجد في يوميات المعلم "الباشط اللسان" فرصة لانتقاد التفاصيل الصغيرة بتورية تدين الواقع الملتبس قبيل ثورة تموز 1958بأشهر، فهذا البرجوازي الصغير الحالم ببيت يأويه مع صغاره المطيعين والأذكياء، لا يجد سوى بيت في منطقة شعبية مكتظة، وجار"ركاع" (جعفر السعدي) لم يفلح في تعليم أولاده، هذا المعلم الذي خرّج أجيالاً من الطلاب، يعيش ضنكاً وينتظر الراتب بصبر أيوب، وغالباً ما  يطلق على "راس الشهر" يوم الملحمة، إذ يوقف الزمن ليمارس مسراته الصغيرة.  
 تتأتى قيمة "سعيد افندي" من بعده التاريخي والاجتماعي والكلمات ذات الدلالة التي يطلقها سعيد افندي (يوسف العاني)، وهو الكاتب المسرحي المعتبر، حتى إن بعض النقاد اتهموه بسرقة الحوار من مسرحياته، لكنه فند ذلك في ما بعد، وشاركت في أداء أدواره الفنانة زينب في أول أدوارها.
وقد تبدو مفارقة أن يعمد كاميران حسني (1927 - 2004) وهو العائد تواً من أميركا متأبطاً زوجته الأميركية سوزان التي خصها بدور حسيبة الخرساء إلى تبني أسلوب الواقعية الإيطالية الجديدة في إخراج باكورة أفلامه، وهو الواعي والمثقف والدارس للسينما في عرينها الهوليوودي- أصدر أول مجلة سينمائية بعد عودته من الدراسة في العام 1955 - لكنه وجد فيه فرصة للتعبير عن أفكاره بكلفة إنتاجية بسيطة.
 وثق الفيلم لمناطق بغداد وشوارعها وعادات أهلها وتقاليدها، ليس بالمفهوم الرومانسي، إنما بالاقتراب حد الحميمية من هموم الناس البسطاء وبذلك الفيلم يعد وثيقة من ذاك الزمان، وكان للحوار تأثير كبير في الجمهور الذين احتفوا بالفيلم، ولفرط ولعهم بقفشات سعيد افندي وفتنة كلماته الموحية، افترضوا حواراً غير موجود أصلاً بالفيلم ولا بالسيناريو، مفاده أن سعيد افندي يقول في حوار مع بائع السمك "إن السمجة خايسة من رأسها" والمفارقة إلى اليوم ما زال البعض يعتقد أن هذا الحوار موجود في الفيلم.
  وعمل الفنان التشكيلي نوري الراوي كملاحظ استوديو، وصمم بوستر الفيلم، أو "الشيت" الفنان حافظ الدروبي، اما الموسيقى التصويرية فكانت مختارات من الموسيقى العالمية، فضلاً عن معزوفة عراقية ألفها عبد الوهاب بلال.