القضاء حصننا الأخير

آراء 2022/02/16
...

  د.عبد الخالق حسن
 
طوال سنوات ما بعد 2003، حتى هذه اللحظة، كانت مسيرة السلطات الثلاث في العراق مليئة بمنحنيات وتعرجات اختلط فيها المهني 
بالسياسي. 
السبب الأساسي لهذا الاختلاط هو عدم اكتمال بناء هذه السلطات، بالرغم من استقرارها الظاهري. 
وهذا يعود إلى المشكلات الكثيرة التي تسبب بها الدستور الذي كتبته أصابع الخوف والقلق من ماضٍ مستبدٍ ومستقبلٍ مجهول. 
لذلك نواجه بعد كل عملية انتخابية صراعاً سياسياً تدور آثاره بين القضاء وباقي الرئاسات. كان التحدي الأبرز الذي واجهه القضاء هو تفسير معنى الكتلة الاكبر خلال انتخابات 2010. 
وبعد شد وجذب، تشكلت الحكومة وقتها، لكن ألغام الدستور ظلت مستعدة للانفجار في أي لحظة، بسبب عدم حسم تفسيرها. 
لذلك كانت القوى السياسية ترجع في كل دورة انتخابية الى القضاء ليفسر لها المواد المتعلقة بتنظيم وضع 
السلطات. 
ربما كانت انتخابات 2018 هي الوحيدة التي لم تشهد تنازعا سياسياً، بسبب تعمد القوى السياسية عدم الركون الى قضية الكتلة 
الاكبر. 
لكن بعد استقالة الحكومة عقب موجة الاحتجاجات، اختلطت الامور، وصولا الى لحظة الانتخابات المبكرة التي شهدت نتائجها خلافات وتبادل اتهامات عادت بالقوى السياسية الى القضاء. 
وربما اذا احصينا عدد مرات العودة للقضاء في هذه الدورة، سنجد أنها الأكثر من بين كل الدورات في عدد الدعاوى والشكاوى المرفوعة والمتبادلة بين القوى السياسية.
وهنا، يظهر أن القضاء قد سئم من هذا الصراع السياسي الذي جعله في مرمى الاتهام والانحياز كلما جاء حكمه لصالح فريق ضد آخر. 
لذلك حسناً فعل رئيس مجلس القضاء السيد فائق زيدان، حين دعا، من موضع القوة والحرص وإبعاد القضاء عن منطقة الصراع السياسي، مجلس النواب إلى إجراء تعديلات دستورية تثبت تفسير المواد المختلف عليها، خصوصا مادتي اشتراط حضور ثلثي اعضاء المجلس في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وكذلك ما يتعلق بالمادة 76 الخاصة بتفسير الكتلة الأكثر عدداً. 
وهذه الدعوة من السيد زيدان، تمثل قبل كل شيء، تحصيناً للقضاء ووقاية له من أن يكون حبلاً تتجاذبه القوى السياسية كلما تصارعت واختلفت. 
وليس لنا سوى القضاء اليوم نحتكم إلى استقلاليته بعد أن شوهت السياسة بصراعاتها قيمة الرئاسات 
الثلاث. 
فالقضاء حصننا الأخير الذي نلوذ بخيمته حين تمطر علينا السياسة خلافاتها العاصفة.
 
باحث وأكاديمي