محنة المقَدَّس

آراء 2022/02/16
...

 رعد اطياف
 
في كل بقاع العالم هنالك تقليد مُتّبَع يتعلق باحترام الرموز التاريخية وهو وضعهم بالمكان الذي 
يستحقونه. 
نصب تذكاري جميل يحمل اسمًا لإحدى الشخصيات الدينية؛ بناية شامخة ذات أشكال هندسية مبهرة تحمل اسماً مقدساً، مستشفى تموله بعض الجماعات الدينية يبذل جهداً استثنائياً لإعطاء نموذج متميز يتوازى مع حجم الاحترام الذي يحظى 
به الدين. 
وبهذه الطرق المختلفة التي تتوزع بين شكل انجازات هندسية، ومشاريع إنسانية، ومؤسسات خيرية، ونحو ذلك، كلها تحاول أن تتوخى الإساءة إلى الأسماء التي سميت بها هذه 
الفعاليات. 
فثمة أمر بالغ الحساسية تنطوي عليه هذه الأسماء؛ ستتعرض قدسيتها للهتك، والتشكيك، وتتحول بمرور الوقت إلى واجهات يتاجر بها المنتفعون، وبالنتيجة لا تتناسب وحجم القداسة والاحترام التي تتمتع بها.
يبدو أن الأمور في العراق تجري بشكل معاكس للتيار المألوف لهذه القصص؛ معظم مدن العشوائيات المنتشرة في العاصمة، وبعض المستشفيات في المناطق الشعبية، استبدلت اسماءها بأخرى دينية، وأضحت تحمل أسماء لأئمة أهل البيت، ومراجع دينيين؛ كمستشفى الإمام علي (مستشفى الجوادر سابقاً)، ومستشفى الشهيد الصدر( مستشفى الداخل سابقاً)، مضافاً إلى مدن العشوائيات التي احتلت مساحة واسعة من هذه الأسماء التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بأسماء الأئمة والإعلام. فالغالبية العظمى من هذه التجاوزات تحمل أسماء دينية، فضلًا عن مدينة الصدر (الثورة سابقاً) التي استبدل اسمها السابق باسم الشهيد محمد محمد صادق الصدر. غير أن الأسماء لا تحمل مسمياتها على الإطلاق!. 
لا أعرف أن كانت هذه الاختيارات جرت عن عفو الخاطر، أو حباً بهذه الأسماء الدينية، أو محاولة لإضفاء طابع القدسية عليها لتبقى بعيدة عن المصادرة مستقبلاً. ربما كل هذه الافتراضات مجتمعة معاً. غير أنها يعوزها شيء واحد وهو فقدان العلاقة بين هذه البيئات والأسماء التي اختيرت لها. لكن رمي اللوم على الناس يبدو أمراً متسرعاً، فعموم الناس تبحث عن نقاط مرجعية تهتدي إليها وتعوضها ذلك الحرمان، فوجدوا سلوتهم بهذه الأسماء المحترمة.
لكن ماذا نقول عن القائمين على الأمر وهم يفكرون بتمليك الناس، مثلاً، تلك التجاوزات كإنجاز يضاف إلى سجل إنجازاتهم؟!. ومن حق المرء أن يتساءل: لماذا يتحرك القائمون على الأمر ويبدون ردود أفعال متشنجة تجاه أحد المطربين، على سبيل المثال، ولا نرى حماساً مماثلاً تجاه هذه العشوائيات، والمستشفيات، والمدن التي تحمل أسماء الأئمة، والإعلام، والمسارعة للحفاظ على قدسيتها عبر تعويض الناس بمشاريع سكنية تليق بهذه الأسماء المحترمة أسوة بالأحياء السكنية التي تُصَمَّم للأثرياء؟!.