القارة العجوز.. قريباً بلا طاقة

آراء 2022/02/16
...

 غفران عبد العزيز
 
بينما تشهد اوروبا ذروة التوتر والقلق ويعيش الكوكب كله على صفيحٍ ساخنٍ من حروب قد تندلع بين اوكرانيا وروسيا وتودي في ما بعد لحرب عالمية ثالثة في حال قررت دول الناتو دعم كييف. يزيد قلق الأوروبيين يوما بعد يوم من أزمة قديمة جديدة بينهم وبين موسكو. حول حصتهم من الغاز الذي يعدُّ المصدر الأول للطاقة في القارة. فروسيا تعتبر من اكبر موردي الغاز لأوروبا. حيث تمد القارة الاوروبية بما يقارب  % 4 من احتياجاتها. والتي بدورها تحرك عجلة حياة الاوروبيين. غير مبالين ببرد الشتاء وحتى مصادر تشغيل سياراتهم وحتى معاملهم. مع مصادر أخرى للغاز تأتيهم من أميركا والصين وقطر لتُؤمن بذلك كل احتياجات القارة من الطاقة. لكن مع حلول اواسط العام 2021 تغير المشهد كثيراً. 
حيث انخفض إمداد الغاز الروسي لأوروبا بشكل حاد. وارتفعت معها مؤشرات القلق الاوروبي من الضغط الروسي، الذي حول ملف الغاز الى ورقة ضغط كبرى يغير فيها القرار السياسي الاوروبي كما يريد. ذلك كله تزامن مع تدشين روسيا لخطٍ جديد للغاز نحو أوروبا. وهو خط "نورد ستريم 2"، الذي يصب في النهاية في ألمانيا. مع وجود خطوط أخرى تمد فرنسا وايطاليا. ومنها يوزع الغاز الروسي للدول الاوربية بشكل عام. لكن ديسمبر من العام2021 حمل معه فصلاً مرعباً في أوروبا. حيث رصدت الأقمار الصناعية صورا لآلاف الجنود الروس مع آلاف الدبابات والآليات يتمترسون على الحدود الروسية مع اوكرانيا. في مشهد جديد ومكتمل للحرب الروسية الاوكرانية التي اشتعلت في العام 2014، باحتلال الروس لجزيرة القرم. 
فإذا قررت موسكو قطع غازها عن الاوربيين فإنها ستصيبهم بورطة لا يمكن ان يخرجوا منها. خصوصاً أنها قللت من ضخ الغاز في الأشهر الاخيرة. الأمر الذي أدى الى انخفاض المخزون العام بشكل كبير. متزامناً مع فصلِ من البرد القارس الذي ضرب القارة كلها. ما أدى لارتفاع معدل استهلاك الطاقة بشكل كبير ايضاً. فحتى خط الغاز الجديد نورد ستريم 2، الذي يمر عبر بحر "البلطيق" الى ألمانيا. لم يخرج عن المشهد رغم وصف برلين له بالمشروع الاقتصادي في بداية التوتر. وإنه لن يتأثر في حال غزو الروس لأوكرانيا في أي لحظة. لكن الطرفان عادا ليوضحا الموقف بأن الخط سيتوقف عن الضخ حال إطلاق أول رصاصة من موسكو نحو كييف.
ملف الغاز يمثل كارثة لهم في ظل غياب أي بديل عن ذلك. وحتى لا تستمر الكارثة والمشكلات. كان الحل لدى واشنطن. في عام 2010، حيث ظهرت تقارير عدة تشير الى نية قطر في تدشين خط للغاز ينطلق من أراضيها نحو سوريا ومنها يتجه الى تركيا ثم الى الدول الاوروبية. وذلك لتدخل السوق الأوروبية من أوسع أبوابها. إلا أن عاماً واحداً غير المشهد بالكامل. حيث اندلعت الثورة السورية ودخلت روسيا كداعمة للنظام السوري بشراسة خوفاً عليه من السقوط. وعن ذلك الدعم تصف مواقع غريبة الروس بأصحاب الفرصة الذهبية. حيث تمكنوا من ايقاف مشروع القطريين. وبقيت موسكو صاحبة السلطة الاعلى في السوق الاوروبية. واليوم تعود واشنطن للخطة القديمة. ففي لقاء جمع بايدن وتميم بن حمد في واشنطن. إذ قال بايدن انه سيعلن قريباً الدوحة حليفا ستراتيجيا للناتو. بدلاً من غاز موسكو سيحل الغاز القطري والأميركي.
تَرى قطر أن هذه الخطوة هي حرب مفتوحة ضد روسيا. لكن مخاوف الدوحة ليست العقبة الوحيدة في وجه الحل. فعملية النقل الصعبة وتحول اوروبا من الغاز الطبيعي الروسي الى الغاز القطري المسال ستكون معضلة أكبر. إذ تطمح أميركا لتصفية الغاز في أوروبا على عكس الغاز الروسي. الامر الذي قد يترتب عليه اعادة إنشاء بنى تحتية جديدة في عدد من الدول ومصاريف اكبر من السابق. كما أن عملية النقل لن تكون سهلة كما يحدث مع موسكو التي تنقل غازها عبر الانابيب. بل سيطوف الغاز القطري والأميركي على سطح البحار والمحيطات، حتى يصل للشواطئ الأوروبية. وإذا وقعت مشكلة ما في سلسلة التوريد لتلك العملية. فإن أوروبا ستتحول فعلياً لقارة بدون طاقة تصل لها.
تقوم روسيا بقطع غازها عن أوروبا رغم أنها تستفيد عبره بأكثر من 147 مليار يورو. اضافة لكونه ورقة ضغط سياسية ضد الأوربيين. فإن اندلاع الحرب في أوكرانيا سيؤدي حتماً لقطع الغاز الروسي. حيث تمر العديد من انابيب الغاز عبر أوكرانيا. وفي الواقع تستفيد كييف من تلك الانابيب سنوياً بأكثر من 4 مليارات يورو. واندلاع حرب فيها سيجبر الروس على عدم المخاطرة بتلك الخطوط. خصوصاً انها ستكون عرضة للتدمير او حتى التخريب المتعمد. اما بقية الخطوط فستكون معرضة للتوقف في اي لحظة في حال اقدمت الدول الاوروبية على دعم اوكرانيا او حتى محاولة دعمها من خلف الستار.