الذكاء والنجاح

الصفحة الاخيرة 2022/02/19
...

جواد علي كسار
 
لا يكفي الذكاء وحده للنجاح؛ هذا ما نلمسه بالوجدان وبخبرتنا في الواقع من حولنا، فكثيراً ما نُصادف داخل أُسرنا وفي المدارس والمجتمع أفراداً أذكياء، بعضهم متفرّد بذكائه، لكن يتقدّم عليه من هو أدنى منه.
ففي المحيط المدرسي والتعليمي بشكل عام، كم صادفنا من أذكياء أخّرهم الكسل والتواني والانصراف إلى العبث والسقوط في هوّة الغرور، فتقدّم عليهم من هو دونهم، ما يدلّ على أن الذكاء وإن كان محموداً، فليس هو العامل الوحيد في النجاح. هذا بالنسبة للذكاء الفردي، وأعتقد أن أمثلته كثيرة حولنا.
أما بشأن الشعوب، فلست متأكداً من دقة المعايير التي يُستند إليها في تصنيف الشعوب، على سلّم مراتب الذكاء، بل يراودني الشك جذرياً بصحة هكذا تصنيف أساساً، فمن خلال التجربة والواقع وخبرتنا المعرفية بحاضر الشعوب وتاريخها، لا نعرف شعباً غبياً، فالشعوب بمعيار المحصلة التراكمية، كلها ذكية، وقصة الشعوب الغبية ـ وحتى الوحشية ـ هي من بناة الغالب ومن ثقافة المنتصر ولاسيما الغربي، وما انتجته من علوم إنسانية حوّل بها هذه الأساطير والأكاذيب، من خرافاتٍ إلى عناوين مدّعيات متلبسة بالعلم، أو شبه العلم، وشبه العلم أخطر من الجهل.
على أن نظرتنا للذكاء وقيمته ليست مثالية أفلاطونية، على غرار النظرة إلى العلم وإنه شريف في نفسه، فالذكاء مطلوب ومحبّب على قدر ما ينهض به من دور، والمهام التي يقوم بها في صناعة النجاح، مثله في ذلك مثل العلم والثروة والموقع والجغرافيا والشأن التأريخي؛ فكلها وغيرها من مثلها لا قيمة لها، إذا لم تصنع النجاح، بل قد تتحوّل إلى عنصر تخدير، من خلال ما توفّره من إحساس وهمي بالتفوق، والرضا الزائف عن النفس، وبقاء التخلّف على ما هو عليه.
معنى ذلك عملياً، أننا مع البلدان الناجحة ولو كان تصنيف شعوبها في مثل هذه الجداول، آخر القائمة، وضدّ التخلف والفشل، ولو جاء شعبها متقدماً على مراتب هذه التصنيفات؛ وإلا ماذا ينفعنا التصنيف ثانياً وحتى أولاً، في مسطرة الشعوب الأذكى عالمياً، إذا كان نصيب بلدنا من الواقع، هو الاخفاق والتخلف؟!.
تنصيص: قصة الشعوب الغبية ـ وحتى الوحشية ـ هي من بناة الغالب ومن ثقافة المنتصر ولاسيما الغربي، وما أنتجته من علوم إنسانية حوّل بها هذه الأساطير والأكاذيب، من خرافاتٍ إلى عناوين مدّعيات متلبسة بالعلم، أو شبه العلم، وشبه العلم أخطر من الجهل