تنوّع الهند سبب نهضتها

آراء 2022/02/19
...

 هشام جمال داود
تركها الاستعمار البريطاني جائعة مقسمة على أبواب حرب أهلية، وفي عام 1991 تركها العالم للإفلاس والمجاعة ثم نافست الجميع على القمة، عودة الهند من الموت إلى خامس اقتصاد في العالم.  عام 1858 احتلت بريطانيا الهند لأنها اعتبرتها بمثابة القبلة لتجارة العالم، حيث من الهند كان يتم تصدير الكثير من المنتجات للعالم أهمها المنسوجات والتوابل والعاج الذي كان يسمى في ذلك الوقت بالذهب الأبيض.
 
الهند هي سابع أكبر بلد في العالم من حيث المساحة وثاني أكبر بلد من حيث تعداد السكان، وهي أكبر بلد متنوع في العالم اذ يتحدث الهنود 23 لغة وأكثر من 1500 لهجة، وعليه قسمت الهند إلى 29 ولاية لكل منها لغتها الرسمية بجانب الهندية، والهند متعددة من حيث الأعراق أيضا اذ يمثل الهنود ما يقارب 72 % من السكان ويمثل الدرافيديان 25 % تقريباً والأعراق الأخرى 3 %، اما أديان الهند فهي متعددة ايضاً، فنسبة الهندوس تقريباً 80 % وحوالي
 12 % إسلام و2 % مسيحيون و2 % سيخ و2 % بوذيون إضافة الى أقليات 
أخرى.
في منتصف الستينيات أصبحت انديرا غاندي رئيسة للوزراء وهي ابنة رئيس الوزراء الأسبق جواهر لال نهرو، شهدت فترة حكمها مطلع السبعينات حرباً مع باكستان ومنافسة شديدة بمجال التسلح النووي، وفي عام 1984 تمَّ اغتيالها من قبل السيخ ليتولى بعدها ابنها راجيف غاندي رئاسة الوزراء والذي اغتيل ايضاً في العام 1991على يد مجموعة من سريلانكا، لتدخل البلاد بعدها في أسوأ أزمة اقتصادية وأكثر من 400 مليون هندي على شفير
 المجاعة.
 
تغيير وجه الهند إلى الأبد
 وصل إلى الحكم رجل تمكن من إنقاذ الهند والنهوض باقتصادها، لتشهد على يده نهضة عظيمة من تحت الركام وهو (نارا سيما راو) الذي تولى رئاسة الوزراء ويعاونه وزير المالية (مانموهان سينغ)، واستبدلا نمط الحكم في البلاد التي كانت قريبة من النظام الاشتراكي، فتوجها نحو الاقتصاد شبه الحر وحررا سعر الروبية، وتدريجياً تمكنّا من تحرير القطاع الخاص، وهكذا تخلّت الحكومة عن دورها في قيادة الاقتصاد، وبالرغم من خسارة نارا سيما الانتخابات في العام 1996 إلا أن برنامجه اصبح ملزماً لكل الحكومات التالية لأنه اعتبر الحل الوحيد لعدم انهيار الاقتصاد الهندي.
بدأت الهند بالتفكير في تحويل التنوع العرقي والديني إلى ثروة عبر صياغة هوية وطنية وبذلك تحولت لأنموذج ديمقراطي يحتذى به، وأصبح التداول السلمي للسلطة هو عنوان الحكم في 
البلد.
 نجحت الهند بتصدير ثقافة جديدة هي (اليوغا) التي تقوم فلسفتها على التأمل والتحرر من الماديات، الامر الذي أجبر الأمم المتحدة أن تخصص يوما من كل عام لممارسة اليوغا وهو يوم 21 
يونيو.
كذلك عملت الهند على تصدير الطب إلى العالم والمرتبط بممارسة اليوغا والذي اشتهر عالميا باسم «الايورفيدا» وهذا النظام اعتمدته مئات المراكز في العالم.
كذلك مطبخها الغني، حيث انتشرت الأكلات الهندية في كل الدول ولا يكاد يخلو بلد من مطعم هندي، وفي بريطانيا هناك أكثر من 9000 مطعم 
هندي.
اما أبرز قوة اقتصادية وثقافية هي السينما الهندية واسمها (بوليوود)، وهي القوة الناعمة التي أوصلت ثقافتهم لكل العالم ونافست كل الدول في هذا المجال، وساهمت بشكل كبير في بث الروح الوطنية للهنود وتوحيدهم، إضافة إلى أنها تحقق أرباحا سنويا تقدر بـ10 مليارات دولار ويبلغ انتاجها 1200 فيلم وهو ثلاثة أضعاف ما تنتجه (هوليوود).
الهنود خارج الهند يقدر عددهم 32 مليونا منهم 8 ملايين في الخليج العربي، وهذا مصدر قوة للاقتصاد الهندي لأنهم يرسلون نحو 80 مليار دولار سنويا إلى 
الهند.
إنَّ الاهتمام بالتعليم صار سببا في اطلاق تسمية «أمة العباقرة» على الهنود وهذا هو عنوان كتاب للباحثة البريطانية انجيلا سايني تحدثت فيه عن العقل الهندي في العلم، وذكرت أنَّ من بين كل خمسة في مجال الطب في بريطانيا واحدا هندياً، وواحد من بين كل ستة يحملون شهادة الدكتوراه في أميركا هندي، وثلث العاملين في وادي السيليكون الذي يعتبر عاصمة الالكترونيات بالعالم ويقع في سان فرانسيسكو الأميريكية هم من الهنود، كما يدير الهنود 750 شركة فيه، وهناك طلبة هنود تمكنوا عام 2008 من إرسال مسبار فضائي للقمر بكلفة لم تتجاوز 90 مليون دولار وهو اقل بخمسة أضعاف من الرقم العالمي، والهند أبرز المصدرين للعباقرة في السنوات الأخيرة، فنظام ويندوز العالمي ومعالجه الرئيس المعروف باسم بنتيوم، طوره شخص هندي وهو فينود دهام، والمشرف على أنظمة اندرويد وتطبيقات غوغل هو هندي اسمه ساندر بيتشاي، وخدمة بريد هوت ميل اخترعها الهندي صابر باتيا، ومخترع (USB) هندي اسمه اجاي بهات والرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت هندي واسمه ساتيا ناديلا.
 اخيراً، هل يمكن أن تكون للعراق حكومة تتعلم من تجربة الهند في تحويل التنوع إلى ثروة وطنية ونقل تجربتهم لنا، خصوصاً أن العراق والهند يتمتعان بعلاقات صداقة تاريخية وقديمة 
جداً؟.