ناظم السماوي في {لكم منِّي السلام}

ثقافة شعبية 2019/03/15
...

ريسان الخزعلي
الشاعر المبدع "ناظم السماوي" في شعوره ولا شعوره ينمو ماهو غنائي، ماهو حسّي، ماهو حزن شفيف، شفيف كغيمة خريفية تبلل ماتحتها، وتوعد المساحات الباقية بنهر قادم من مطر الروح، هذا المطر الذي تصاعد بخاره من ستينيات القرن الماضي وتلوّنَ مع التجربة السبعينية بانفتاحها الفني/الجمالي الذي أسسَ لأفقٍ مايزال هو الوحيد في تشكيل مشهد الشعر الشعبي العراقي الحديث.
و (لكم منّي السلام) مجموعة الشاعر السماوي، تتحرك نوابضها بين عقود زمنية شعرية تحمل خواص تلك العقود بتداخل يستقر مع الشكل الأول، حيث جاهزية البناء والمفردة والجملة الشعرية، لأن الشاعر على دراية بتراث القصيدة الشعبية وقادم منه الى مواجهة فنية جديدة تستفز هذه الدراية، وهكذا يختلط القديم مع ماهو جديد، رغم ان للجديد مساحته الواضحة ايضاً في هذه المجموعة التي اهدت /السلام/ ببعدين من التحية والتطمين الروحي: "وطن حتّه الشمس تتنسل ابطوله، إو تصير اثياب إله الكَمره" هذا هو إخبار التحية المكتنز في العنوان: لكم منّي السلام.
في التجربة الشعرية، يكون السماوي مشدوداً الى توليد الاغنية اكثر من القصيدة رغم ان الكثير من الاغاني هيَ قصائد بالاساس، الا ان الذي أعنيه في هذا التوصيف، هو الاشتغال الفني/الجمالي في هوية الكتابة، إذ تميل الصياغات الشعرية الى شكل الاغنية قبل شكل القصيدة مع الملاحظة ان الشاعر قد عمل في مجال الاغنية طويلاً وكان على مقربة من عناصرها الاخرى: التلحين، الاداء، لجان الفحص. وكان لهذا القرب فعله في منح صفة الغنائية (من الغناء) والحزن الشفيف لمنجزه الشعري، وهذه ملاحظة تُشخّص الخصوصية وليس العكس، من هنا أجد أن القصائد: دوّريتك، ياحريمه، ودّعت السماوه ابليل، وهي القصائد/الأغاني تُمثّل القدرة الشعرية العالية في هذه المجموعة والتي تُشير الى تفاعل الشاعر مع تحولات القصيدة الشعبية الحديثة بخطوات أوسع من غيرها في القصائد الأخرى:
نسيتك كلّش امن البال، هدني لاتعت بيّه. ما ردّن ولا ردّن، ماذلّن ولا ذلّن، ولا ظلّت الك بالكَلب حنيّه. هدني..هدني لا تعت بيّه. ودّعت السماوه ابليل زتني الشوكَ بالحسره... ظلّيت ابطركَ روحي، واتجّه عله اجروحي، شبكَت اسنينك المرّت.. شبكَ وركَة البرديّه.
في (لكم منّي السلام) كانت التجربة واسعة وموسومة بتوصيف دقيق كما جاء في مقدمة الشاعر عريان السيد خلف، بأنّها: الوعي الشقي. ولأن وعي الشاعر يحدد موقفه الوجودي/الفني، فإنَّ قصائد المجموعة حملت هذا الموقف في الكثير من دلالاتها: ياسامعين الصوت، الفت نظركم، للانسان موقف ولكن.
إنَّ الشاعر ملتفت للوضوح والمباشرة الصادمة في هذه المجموعة، وهنا لا بدَّ من المقابلة بالغنائية والحزن الشفيف وبدراية فنية تظهر من دون تكلّف وافتعال ضمن حدود التجربة واللون:
لكم منّي السلام اشما بالعيون، من حُب من حزن من آه. لكم منّي مطر من يغسل اوجوه، إو نزَل كَطرة نده ابشفّة اليهواه.
مجموعة /لكم منّي السلام/ تمنح نفسها من دون اشارات ايحائية، من دون رموز، من دون تجريد، لأن الغاية الفنية، ان تلقي (السلام) على كل مَن تُصادفه.