ضربة جزاء

الصفحة الاخيرة 2022/02/22
...

حسن العاني 
إنه عصر يوم صيفي يعود إلى عام (1976)، كنت أجلس مع مجموعة أصدقاء وثمة من يطلبني على الهاتف، كان صوت الصديق والزميل الصحفي الراحل (موحان الظاهر)، وعلى عادته قال لي من دون سلام ولا مقدمات وبلهجة أمرية فرضتها (الميانة) الكبيرة بيننا [غداً تلتحق بجريدة العراق وتستلم مسؤولية الصفحة الاخيرة] وأغلق السماعة!. 
كان المحامي، المرحوم (صالح الحيدري) رئيساً للتحرير، وهو واحد من أنبل رؤساء التحرير الذين عملت معهم، ولم يكن معي في الصفحة الأخيرة سوى محررين اثنين فقط، ومن الصعب جداً تمشية (أمور) الصفحة – وهي يومية – بزميلين، ولهذا لا مفر من الاستعانة بمحررين من خارج الجريدة، ولكنني وجدت نفسي في مواجهة مشكلة عويصة، لأن الحيدري يرفض صرف دينار واحد لأي كاتب خارجي بسبب الأوضاع المالية المتردية للجريدة، وهكذا اضطررت إلى الاستعانة بعدد من أصدقائي للكتابة (مجاناً) يحضرني منهم – وليرحم الله الموتى منهم – جميل روفائيل، عبد القادر العزاوي، عبد الرزاق المطلبي، عيسى الياسري، عبد عون الروضان، باسم عبدالحميد حمودي، و كانوا عند حسن الظن!.
مرة زارني الزميل المرحوم (صلاح الدين سعيد) راجياً أن أنشر له خبراً صحفياً، وكنت أتمنى الحصول على أخبار، ولكنني بعد الاطلاع على مضمونه اعتذرت عن نشره، كونه سياسياً، وأوضحت للرجل إن (الأخيرة) صفحة "استراحة"، وظننت أن الموضوع انتهى لولا اكتشافي أن صلاح الدين (اشتكاني) عند رئيس التحرير الذي إتصل بي مستفسراً فأوضحت له الأمر، وإن الخبر الذي أتى به صلاح الدين يصلح في صفحة أخرى، وتفهم الرجل موقفي، ولم تمض أيام قلائل حتى جاءني صلاح الدين بخبر سياسي جديد يريد نشره في الأخيرة، فأسمعته كلاماً حازماً وحاسماً، ومرة أخرى (اشتكاني) عند الحيدري الذي إتصل بي مستفسراً، فقلت له بالحرف الواحد [أستاذ صالح.. أنت رئيس التحرير ومن صلاحياتك نشر الخبر في الصفحة الأخيرة، ولكنني سأغادر الجريدة في الحال لو حصل ذلك، لأنني أعمل في مطبوع وليس في ثكنة عسكرية] – كنت مع الأسف بخلاف طبعي حاداً ومنفعلاً مع رجل لا يستحق أن يرتفع صوتي أمامه – وقد اعتذر رحمه الله اعتذاراً جميلاً وقال لي، وكأنه – هكذا تصورت – يطيب خاطري [لن أسمح بعد الآن لهذا المزعج أن يصل إلى غرفتك أو يضايقك!]، وبقدر ما شعرت بالارتياح، شعرتُ كذلك بالزهو، ولكن الراحة لا ترتجى من مهنة المتاعب، فبعد قرابة شهر حدثت مفاجأة غير قابلة للتصور، إذ تم إعفاء صالح الحيدري من رئاسة التحرير، وتعيين صلاح الدين سعيد بديلاً عنه! 
وللحديث صلة.