السومريون.. عابرون للطائفيّة

آراء 2022/02/23
...

  محمد علي جواد
 
كانت القرى العراقية في حوالي الالف السادس قبل الميلاد, قرى صغيرة متواضعة متناثرة في ربوع العراق القديم، واحتاجت الى زمن طويل لكي تصل الى سن البلوغ، 
فتطورت وتعددت المهن والخدمات فيها، وكان يحكمها رجل الدين او الكاهن الأعلى، واحتاجت الى فترة أخرى من التطور للانتقال الى معالم المدينة الحضارية، التي صار يحكمها حاكم مقابل كاهن أعلى للشؤون 
الدينية. 
وفي فترة لاحقة نشأت الملوكية فأصبح حاكم المدينة ملكها يسكن قصراً كبيراً، مثلما يسكن الكاهن الأعلى في المعبد الكبيرالمخصص لإله المدينة، والذي تطور في ما بعد الى زقورة عالية ارتفعت طوابقها الى سبعة طوابق كما هي في زقورة بابل.
من المعلوم أن اختراع الكتابة المسمارية كان قد تحقق في زمن قريب من (3200 ق.م) وقبل الف عام من هذا الزمن تواجدت مدن قديمة في فترة زمنية سميت (الفترة العبيدية)، نسبةً الى تل العبيد الاثاري الذي سكنه السومريون مع من كان معهم او كان قبلهم من شعوب العراق القديم.
ومن المحتمل أنهم (أي الشعوب التي كانت مع السومريين) كانوا ساميين جاؤوا من هجرات في فترة وجود السومريين أو قبلهم من الجزيرة العربية فسموا (بالجزريين).
وعند نشوء المدن بشكل مميز وواضح تكونت دويلات المدن وهي عبارة عن دويلة صغيرة فيها المدينة الكبيرة في المركز تحيطها مدن صغيرة وقرى زراعية واسعة وفي المركز يوجد الملك وقصره والكاهن الأعلى ومعبد الإله الرئيس والسوق الرئيس للبضائع والمنطقة السكنية لعامة 
الناس.
منذ بدء نشوء المدن قبل حوالي ستة الألف عام من الآن, كان العراقيون القدماء عابرين للطائفية والمذهبية الدينية والقومية المتعصبة، وكان انتماؤهم الى الدولة التي هم فيها (أي دويلة المدينة) وكان انتماؤهم الى الملك رمز السلطة ونائب الاله على الارض، مثلما كان إنتماؤهم الى معبد إلههم الرئيس في المدينة، وكانوا في خدمة جيشهم المدافع عن أرضهم ووطنهم، وكانوا يشتركون في اقامة افراح النصر على الأعداء والاحتفالات في رأس 
السنة.
لم تكتب المصادر العديدة للسومريين او الأكديين او البابليين او الآشوريين أنهم كانوا يمجدون مذهباً دينياً معيناً، ويمنعون الآخرين من ممارسة حقوقهم المذهبية، فكانت الآلهة المختلفة لها معابدها الخاصة وكل مواطن له حرية اختيار الإله الذي 
يعبده.
وكانت المحاكم التابعة للدولة تطبق القوانين التي نقشت على المسلات مثل مسلة قوانين حمورابي وكان الناس يحترمون هذه القوانين التي تمنع الظلم والفساد وتعطي الحق 
للمظلومين.
لقد كان مفهوم المواطن والمواطنة قوياً عند شعوب بلاد الرافدين، وكان انتماؤهم واضحاً وجلياً للدولة والوطن والقانون.