بترو دولار.. أرقامٌ على ورق وواقعٌ يستوجب القلق

آراء 2022/02/23
...

 فاطمة عماد خضير
 
يتميز الاقتصاد العراقي كونه اقتصادا احاديا ريعيا نفطيا، وهذه الميزة جاءت بعد عام 2003 بوضوح تام، بعد أن تغير النظام السياسي في العراق، ووضحت تلك الرؤية بعد أن تمّ تدمير البنى التحتية لأغلب القطاعات الصناعية جرّاء الحربين الأولى، وهي بداية التحول في الاقتصاد عام 1991، والثانية كانت عام 2003 وهو التحول التام.ومعروف بالقطاع الصناعي في العراق انه قطاع متشابك مع القطاعات الأخرى الزراعية منها ومشاريع الري والموارد المائية، فبعد أن تحولت الى مستوى صفري من عوامل الحرب ومن عوامل الإهمال الحكومي، وجدت إدارة الدولة أنه لا حول بجمع الايراد العام الا من قطاع النفط، وهو الأبرز والاكبر في العراق من حيث الاحتياطي والانتاج.
اما القطاعات الاخرى فهي تعتمد على سياسة وخطة افتقدتها الإدارة الجديدة في الحكم حتى تدهورت ووصلت في تغطية الايراد العام منها للموازنات العامة الى مستوى 1 % -  5 % تقريبا او اقل من ذلك، فبقي العراق ذا النظام الاقتصادي الاحادي الريعي النفطي.
ويتركز هذا القطاع في جنوب العراق متوزعا بين محافظات (البصرة وميسان وذي قار) وتأخذ هذه المحافظات على عاتقها بتغطية ما يقارب 95 % من الايراد العام للموازنات الاتحادية، حيث تأخذ محافظة البصرة الجزء الاكبر بنسبة 90 % تقريبا. 
بعد صدور قانون الاستحقاق في الانتاج النفطي ( البترو دولار) أخذت محافظة البصرة ميزة فريدة عن بقية المحافظات، وتوقع الكثير من الاقتصاديين أن تكون محافظة البصرة، المدينة رقم 4 عالميا من حيث التطور والعمران في البنى التحتية والاسكان والرفاه والتشغيل والاستثمار، كما هو ترتيبها عالميا من حيث الغنى في الموارد الاقتصادية.
فمنذ أن شرّع القانون بنسبة 5 دولارات عن كل برميل تنتجه هذه المحافظة المنكوبة بيئيا وحضريا، وبعد المطالبات بتعديل القانون ومسيرة كبيرة في اروقة البرلمان بين تغييره الى 10 % لكل برميل منتج وبين 5 % استقر التعديل على 5 % من قيمة كل برميل نفطي منتج كمستحق مالي تعوض به محافظة البصرة، ومنذ ذلك الحين ولغاية مطلع عام 2022، بقي القانون والارقام المليارية حبرا على ورق، على الرغم من تفاقم المشكلات الاجتماعية والبيئية، وعلى الرغم من صرخات المواطنين في ساحات الاحتجاج، وعلى الرغم من تقديم عشرات الشهداء ومئات الجرحى، بقيت هذه الارقام فقط على الورق دونما تخصيص حقيقي فعلي يغير واقع محافظة تقبع تحت طائلة التلوث في جميع انواعه، في الماء وهو أمر أزلي يكاد أن يكون ( قضية فلسطين) لا يوجد لها حل الا مع التسليم لها او تموت هذه المحافظة.
هواء خانق ومعدلات الاصابة السرطانية في ارتفاع، مع تشوه خلقي عن الانجاب جراء هذا التلوث، فضلا عن الأمراض التنفسية، مع تفشي الأمراض المتنوعة، ونقص في المدارس والمستشفيات والخدمات بجميع أشكالها، أما عن قطاع السياحة الذي يضفي نسبة من الرفاه للمواطن فهو دون الصفر حتى، علما أنها تقع في موقع جغرافي مهم، فهي تحتوي على بيئة متعددة، منها بيئة نهرية وبيئة بحرية وصحراوية وريفية، فكل الأسباب التي تجعلها مدينة سياحية متوفرة، تفتقر جميع المحافظات لهذا التنوع في ديموغرافيتها وجغرافيتها.الأرقام التي تكتب في الموازنات بقيت أرقاما في دفاتر، والمواطن البصري يعاني من شتى المشكلات وأقلّها البطالة وافرازاتها، الأرقام تقرأ وقد يفرح القارئ بها ويشعر بالامتنان كونه من محافظة البصرة، ولا يزال ينتظر من الحكومة الاتحادية والحكومة المحلية أن تنقذه من هذا العذاب اليومي، الذي تحول الى كابوس نراه في المستشفيات السبعينية والمدارس الطينية، وطسات شوارعها، وفي السجون المملوءة من شبابها بسبب العوز المتحول الى مشكلة اجتماعية وتحولت الى جنحه او جناية او تعاطي من اثر اليأس من عدم وجود مستقبل، والحديث قد يطول حول ذلك الكابوس.
وأن سألنا عن تلك الأرقام نجدها مرة 37 مليار دولار، ومرة 17 مليار دولار، ويأتي الجواب 
(شعليكم أهل البصرة عدكم البترو دولار)
وأن سألنا هل هنالك مشروع واحد من اموال البترو دولار؟ فنجد الاجابة 
(انشالله).
البقاء على هذا الواقع لمحافظة البصرة قد لا يعطي الاطمئنان مطلقا لا على المستوى الصحي ولا على المستوى البيئي ولا البطالة ولا حتى الاستقرار الاجتماعي والسياسي والامني، فالمواطن قد يكون له حد من الطاقة بعدها ممكن أن يتحول للمطالبة بشكل مباشر من دون الرجوع الى من يمثله في الحكومة التشريعية او من ينوب عنه في الحكومة، التي لا تطالب بحقوقه، فبقاء هذه القيم من الأموال أرقام على الورق حينها قد لا ينفع أي عذر، وهذه المحافظة هي الرئة للعراق وقلبه النابض بالإيراد العام.
     معهد نيسان للوعي الديمقراطي