أسفرت تجارب الانفتاح في بلدان نامية عديدة عن فشلٍ رغم التنازلات المغرية لاجتذاب رأس المال العالمي، وثبت أنَّ آليات الرأسمالية المعاصرة لا تسمح بأكثر من تأمين حرية نظام السوق والتدفق الدولي للسلع كثيفة رأس المال والتكنولوجيا.
ونحن نسمع ونرى عن افتتاح معرض (صنع في العراق) كخطوة في الاتجاه الصحيح، مع سرورنا بصدور قرارات مهمة لحماية (84) منتجاً محلياً من الممارسات التجارية الضارة للفترة من (2010 ولغاية 2019).
لا شك أنَّ هذا الاتجاه إذا كان الخطوة الأولى ولا بدَّ له من حزمة حماية لعلَّ أهمها تحصين السوق من منافسة معروفة لدى معرض بغداد وإدارة قسم حماية المنتجات العراقية التابع الى دائرة التطوير والتنظيم الصناعي في وزارة الصناعة.
السؤال الآن هل هذه الأجهزة لديها برنامجٌ وخطة بتوقيتات معينة من خلال قاعدة معلومات تتضمن الأفق والإمكانات الصناعيَّة ودرجة التكامل بين القطاعات الإنتاجيَّة، وهل لهم دورٌ بالتنسيق في المنتجات الزراعية والحيوانية مثلاً؟.
إنَّ الهوية الاقتصاديَّة ما زالت ملتبسة في موقفها من الانفتاح المهيمن تجارياً، ولكنْ علينا أنْ نعلم أنَّ التجربة الرأسمالية منذ زمن آدم سمث كانت تعتمد القطاع الخاص الذي نهض وقاد الدولة وحتى الآن، بالمقابل نحن دولة ريعيَّة تعتاش على موارد النفط، وكانت من نتائجها أننا استوردنا حتى العام 2015 سلعاً استهلاكيَّة لم تكن بها أي سلعة إنتاجيَّة بمبلغ (410) مليارات دولار وفي العام 2015 عام التقشف بلغ الاستيراد (44) مليار دولار والواردات النفطية (39) مليار دولار، وتحولت معامل جميلة الى مخازن لهذه السلع المستوردة. فهل يسعنا في ظل هذه السياسات أنْ ننتج ونصنع ونسوّق، وفي الوقت ذاته نستورد سلعاً استهلاكية في الغالب وليست إنتاجيَّة؟.
لا يفوتنا أنْ نشيد بالخطوات المبشرة بالخير بمكافحة الفساد الذي ستبرز نتائجه في الزراعة والصناعة بقطاعيهما الخاص أو العام إنتاجاً وتسويقاً ما سيقود الى احتضان القطاع الخاص وإعادته الى دوره في المنتج الوطني.
نعم الرأسمالية تجدد نفسها ولكن لا تجددنا، وكما بات معروفاً إنَّ الرأسمالية الجديدة دشنها نمور آسيا الذين أغلب نظمهم الاقتصاديَّة اشتراكيَّة، وهذه المفارقة لنا معها قاسمٌ مشتركٌ هو الاقتصاد المركزي ورأسمالية الدولة التي إذا ما طهرها مجلس مكافحة الفساد والتخلص من (قوانين بريمر) ستكون ثورتنا الصناعيَّة جاهزة بقيادة الدولة ومشاركة القطاع الخاص، كما تساس الأمور في النمور الآسيويَّة، أو كتجربة إيران أو تركيا أو روسيا الحديثة، فإنهم أيضا دولٌ رأسمالية لكنها ليست منفتحة،
وهكذا يتبلور موقفنا الصناعي التنموي وتبعاته الاقتصاديَّة باستقرار لنضع نقاطنا على حروفنا قبل أنْ يضعها لنا غيرنا.