الخطاب الكاظمي.. من الاحتجاجي إلى الطقوسي

آراء 2022/03/01
...

 د.يحيى حسين زامل 
يتكرر الخطاب الديني في المشهد الكاظمي في الخامس والعشرين من رجب من كل عام، وهو يوم إخراجه من السجن مسموما في عام 183 هجرية بحسب الروايات الدينية التي تؤرخ للحادث، حين طرح جسد {الإمام الكاظم} على الجسر ببغداد في ذلك اليوم في {خطاب تهويني} من رجال السلطة العباسية الحاكمة آنذاك.
لذلك حفز ذلك الخطاب التهويني الناس إلى الاستنكار والاحتجاج وأبدلوه بخطاب معاكس ومعارض للسلطة الحاكمة لما يمتلك "الإمام" من سلطة دينية وروحية في المجتمع الاسلامي بكونه من ذرية البيت النبوي، وسليل البيت العلوي، وهذا بحد ذاته يشكل خطرا على السلطة العباسية الحاكمة ذلك الوقت. وتجمهر الناس من كل مكان صوب الجسر، مكان الجسد أو النعش وشيعوه من الجسر إلى مثواه الأخير في مقابر قريش في المكان نفسه الآن، لتصبح تلك الحادثة على مر السنين مناسبة دورية يمارس فيها أبناء المجتمع العراقي وغيره من البلدان الأخرى تلك الزيارة والتشييع الرمزي للنعش كنوع من الاحتجاج واستحضار الحادثة برمتها على مر السنوات.
وعلى مر الأيام تطورت هذه الممارسة الدينية التي تتعلق بالمولاة والمواساة لأهل النبي محمد (ص)، وأصبحت طقسا دوريا يقام في كل عام تغذيه الأدبيات الدينية، وتطوره الممارسات الشعبية، بل وتضيف له ممارسات أخرى يعتقد منشؤها انهم يحصلون على الثواب والبركة من خلالها، وهذا دأب كل مناسبة دينية في كل ثقافات العالم، تبدأ بحدث ما ثمَّ تتطور وربما تتغير أو تضاف لها عناصر ثقافية أخرى متماهية مع الزمان والمكان. 
وتحول الخطاب الديني الاحتجاجي في ذلك الوقت إلى خطاب طقوسي شعبي اليوم، يعتنى فيه بالشكل أكثر من الجوهر، وتقام فيه مختلف الممارسات الشعائرية والطقسية الشعبية التي كثيرا ما ابتدعها أصحابها كنوع من التماهي الطقسي للحادث المأساوي المؤثر، وهذا بحد ذاته نتاج طبيعي لما يحدث في المجتمعات العربية والإسلامية، فإنها غارقة في الطقوس الشكلانية التي ترثها من الأجيال السابقة، ونظرة في الطقوس الدينية الشعبية في البلدان الاخرى تكفيك بأننا مغرقون بالطقوس بدلا من الجوهر، فمواليد الأولياء والتكايا والزوايا وبعض المناسبات الدينية الشعبية أصبحت منهجا يتكئ عليه أكثر الناس بوصفها ممارسات دينية وروحية تشيع في الروح البشرية الإيمان والاطمئنان، وهي طقوس مجسدة من خلال رموز ودلالات وعلامات ملموسة وهذا ما يحتاجه الإيمان الشعبي لدى أكثر البشر. 
ويبقى السؤال الأهم هل يستحضر الزائر الفكرة التي من أجلها سجن "الإمام"، كالتقوى والصدق والوفاء والأمانة، أم جعل من مرقده محكمة يشتكي فيها على أعدائه، أو مشفى لأمراضه، أو وسيلة لقضاء حوائجه، وحين يأتي الزائر مجردا فإنه قد وصل إلى جوهر هذه المناسبة الأليمة، وحين يتمثل الصبر والإباء والموقف المشرف وعدم مهادنة الظلم والفساد فإنه قد وصل إلى لب هذه المحاكاة التاريخية، وبخلاف ذلك تبقى تلك الزيارة بالنسبة له مجرد طقوس يمارسها ثم ينطلق إلى عبثه اليومي. أعتقد أن هذه الزيارة هي درس لنا في الصبر والجلد وصدق الموقف يجب أن نتمثلها في مجمل حياتنا، وهي بوصلة للوصول إلى سلوك طريق الحق والحرية والمساواة.